بحث في فقه السنة والويب

Monday, August 8, 2011

سنن الصلاة


سنن الصلاة

 للصلاة سنن ، يستحب للمصلي أن يحافظ عليها لينال ثوابها . نذكرها فيما يلي : 
 ( 1 ) رفع اليدين :
يستحب أن يرفع يديه في أربع حالات :

 الاولى ، عند تكبيرة الاحرام . قال ابن المنذر : لم يختلف أهل العلم في أنه صلى الله عليه وسلم ، كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة . وقال الحافظ ابن حجر : إنه روى رفع اليدين في أول الصلاة خمسون صحابيا ، منهم العشرة المشهود لهم بالجنة . وروى البيهقي عن الحاكم قال : لا نعلم سنة اتفق على روايتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلفاء الاربعة ، ثم العشرة المشهود لهم بالجنة فمن بعدهم من أصحابه ، مع تفرقهم في البلاد التاسعة ، غير هذه السنة . قال البيهقي : هو كما قال أستاذنا أبو عبد الله . صفة الرفع : ورد في صفة رفع اليدين روايات متعددة . والمختار الذي عليه الجماهير ، أنه يرفع يديه حذو منكبيه ، بحيث تحاذي أطراف أصابعه أعلى أذنيه ، وإبهاماه شحمتي أذكيه ، وراحتاه منكبيه . قال النووي : وبهذا جمع الشافعي بين روايات الاحاديث فاستحسن الناس ذلك منه . ويستحب أن يمد أصابعه وقت الرفع . فعن أبي هريرة قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدا . رواه الخمسة إلا ابن ماجة . وقت الرفع : ينبغي أن يكون رفع اليدين مقارنا لتكبيرة الاحرام أو متقدما عليها . فعن نافع : أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه ،  ورفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم . رواه البخاري والنسائي وأبو داود . وعنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه حين يكبر حتى يكونا حذو منكبيه أو قريبا من ذلك . الحديث رواه أحمد وغيره . وأما تقدم رفع اليدين على كبيرة الاحرام فقد جاء عن ابن عمر قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا بحذو منكبيه ثم يكبر ، رواه البخاري ومسلم . وقد جاء في حديث مالك بن الحويرث بلفظ : ( كبر ثم رفع يديه ) رواه مسلم . وهذا يقيه تقدم التكبيرة على رفع اليدين ، ولكن الحافظ قال : لم أر من قال بتقديم التكبيرة على الرفع .

 الثانية والثالثة :
ويستحب رفع اليدين عند الركوع والرفع منه . وقد روى اثنان وعشرون صحابيا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو (مساوية لمنكبيه تماما) منكبيه ثم يكبر ، فإذا أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك ، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك ، وقال : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد . رواه البخاري ومسلم والبيهقي . وللبخاري : ولا يفعل ذلك حين يسجد ولا حين يرفع رأسه من السجود . ولمسلم : ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود ، وله أيضا : ولاى رفعهما بين السجدتين : وزاد البيهقي : فما زالت تلك صلاته حتى لقي الله تعالى . قال ابن المدايني : هذا الحديث عندي حجة على الخلق . كل من سمعه فعليه أن يعمل به ، لانه ليس في إسناده شئ ، وقد صنف البخاري في هذه المسألة جزءا مفردا ، وحكى فيه عن الحسن وحميد بن هلال : أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك ، يعني الرفع في الثلاثة المواطن ، ولم يستثن الحسن أحدا . وأما ما ذهب إليه الحنفية ، من أن الرفع لا يشرع إلا عند تكبيرة الاحرام استدلالا بحديث ابن مسعود أنه قال : لاصلين لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصلى فلم يرفع يديه إلا مرة واحدة ، فهو مذهب غير قوي ، لان هذا قد طعن فيه كثير من أئمة الحديث . قال ابن حبان هذا أحسن .

 خبر .
روى أهل الكوفة في نفي رفع اليدين في الصلاة عند الركوع وعند الرفع منه ، وهو في الحقيقة أضعف شئ يعول عليه ، لان له عللا تبطله ، وعلى فرض التسليم بصحته ، كما صرح بذلك الترمذي ، فلا يعارض الاحاديث الصحيحة التي بلغت حد الشهرة . وجوز صاحب التنقيح أن يكون ابن مسعود نسي الرفع كما نسي غيره . قال الزيلعي في نصب الراية - نقلا عن صاحب التنقيح - : ليس في نسيان ابن مسعود لذلك ما يستغرب : فقد نسي ابن مسعود من القرآن ما لم يختلف فيه المسلمون بعد ، وهما المعوذتان ، ونسي ما اتفق العلماء على نسخه ، كالتطبيق ، ونسي كيف قيام الاثنين خلف الامام ، ونسي ما لا يختلف العلماء فيه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح يوم النحر في وقتها ونسي كيفية جمع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ، ونسي ما لم يختلف العلماء فيه من وضع المرفق والساعد على الارض في السجود ، ونسي كيف يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم ( وما خلق الذكر والانثى ) وإذا جاز على ابن مسعود أن ينسى مثل هذا في الصلاة ، كيف لا يجوز أن ينسى مثله في رفع اليدين ؟

الرابعة:
 عند القيام إلى الركعة الثالثة : فعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه كان إذا قام من الركعتين رفع يديه ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم . رواه البخاري وأبو داود والنسائي . وعن علي في وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه كان إذا قام من السجدتين رفع يديه حذو منكبيه وكبر . رواه أبو داود وأحمد والترمذي وصححه : والمراد بالسجدتين الركعتان . مساواة المرأة بالرجل في هذه السنة : قال الشوكاني : واعلم أن هذه السنة يشترك فيها الرجال والنساء ، ولم يرد ما يدل على الفرق بينهما فيها ، وكذا لم يرد ما يدل على الفرق بين الرجل والمرأة في مقدار الرفع .

( 2 ) وضع اليمين على الشمال :
يندب وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة . وقد ورد في ذلك عشرون حديثا ، عن ثمانية عشر صحابيا وتابعين عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن سهل ابن سعد قال : كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة ، قال أبو حازم : لا أعلم أنه ينمى (يرفع) ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رواه البخاري وأحمد ومالك في الموطأ . قال الحافظ : وهذا حكمه الرفع ، لانه محمول على أن الامر لهم بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم . وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إنا معشر الانبياء أمرنا بتعجيل فطرنا وتأخير سحورنا ، ووضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة ) . وعن جابر قال : ( مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل وهو يصلي ، وقد وضع يده اليسرى على اليمنى فانتزعها ، ووضع اليمنى على اليسرى ) رواه أحمد وغيره ، قاله النووي : إسناده صحيح . وقال ابن عبد البر : لم يأت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ، وهو قول جمهور الصحابة والتابعين وذكره مالك في الموطأ وقال : لم يزل مالك يقبض حتى لقي الله عزوجل .

 موضع وضع اليدين : قال الكمال بن الهمام . ولم يثبت حديث صحيح يوجب العمل في كون الوضع تحت الصدر ، وفي كونه تحت السرة ، والمعهود عند الحنفية هو كونه تحت السرة وعند الشافعية تحت الصدر . وعن أحمد قولان كالمذهبين ، والتحقيق المساواة بينهما . وقال الترمذي : أن أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة ، ورأى بعضهم فوق السرة ، ورأى بعضهم أن يضعها تحت السرة ، وكل ذلك واقع عندهم . انتهى . ولكن قد جاءت روايات تفيد أنه صلى الله عليه وسلم ، كان يضع يديه على صدره ، فعن هلب الطائي قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يضع اليمنى على اليسرى على صدره فوق المفصل ، رواه أحمد ، وحسنه الترمذي . وعن وائل بن حجر قال : ( صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره ) رواه ابن خزيمة وصححه ورواه أبو داود والنسائي بلفظ : ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ (المفصل بين الساعد والكف) والساعد . أي أنه وضع يده اليمنى على ظهر اليسرى ورصغها وساعدها .

( 3 ) التوجه أو دعاء الاستفتاح :
يندب للمصلي أن يأتي بأي دعاء من الادعية التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم ويستفتح بها الصلاة ، بعد تكبيرة الاحرام وقبل القراءة . ونحن نذكر بعضها فيما يلي :

 1 - عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة (وقتا قصيرا) قبل القراءة فقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول ؟ قال : أقول : ( اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، أللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الابيض من الدنس ، أللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد . ) رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن . إلا الترمذي .

 2 - وعن علي قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر ثم قال : ( وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له ، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين : أللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ، أنت ربي وأنا عبدك ، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا ، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، واهدني لاحسن الاخلاق ، لا يهدي لاحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت ، لبيك وسعديك ( 1 ) ، والخير كله في يديك ، والشر ليس إليك ، وأنا بك وإليك تباركت وتعاليت ، أستغفرك وأتوب إليك . ) رواه أحمد ومسلم

هامش: ( 3 ) ( لبيك ) : هو من ألب بالمكان إذا أقام به ، أي أجبك إجابة بعد إجابة ، قال النووي قال العلماء : ومعناه أنا مقيم على طاعتك اقامة بعد إقامة ( سعديك ) قال الازهري وغيره : معناه مساعدة لامرك بعد مساعدة ، ومتابعة لدينك بعد متابعة ، ( الشر ليس اليك ) : أي لا يتقرب به اليك أو لا يضاف اليك تأدبا ، أو لا يصعد إليك ، أو أنه ليس شرا بالنسبة إليك فانما خلقته لحكمة بالغة ، وانما هو شر بالنسبة للمخلوقين .
والترمذي وأبو داود وغيرهم .

 3 - وعن عمر : أنه كان يقول بعد تكبيرة الاحرام : ( سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك وتعالى جدك (علا جلالك وعظمتك) ، ولا إله غيرك ) رواه مسلم بسند منقطع . والدار قطني موصولا وموقوفا على عمر . قال ابن القيم : صح عن عمر أنه كان يستفتح به في مقام النبي صلى الله عليه وسلم ، ويجهر به ويعلمه الناس ، وهو بهذا الوجه في حكم المرفوع ، ولذا قال الامام أحمد : أما أنا فأذهب إلى ما روي عن عمر ، ولو أن رجلا استفتح ببعض ما روي كان حسنا .

 4 - وعن عاصم بن حميد قال : سألت عائشة بأي شئ كان يفتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام الليل ؟ فقالت لقد سألتني عن شئ ما سألني عنه أحد قبلك ، كان إذا قام كبر عشرا (أي بعد تكبيرة الاحرام) وحمد الله عشرا ، وسبح الله عشرا ، وهلل عشرا ، واستغفر عشرا وقال : ( اللهم اغفر لي واهدني وارزقني وعافني ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة ) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه .

 5 - وعن عبد الرحمن بن عوف قال : سألت عائشة ، بأي شئ كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل ؟ قالت : كان إذا قام من الليل يفتتح صلاته : ( أللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والارض عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك : إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه .

 6 - وعن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في التطوع : الله أكبر كبيرا ، ثلاث مرات ، والحمد لله كثيرا ، ثلاث مرات ، وسبحان الله بكرة وأصيلا ، ثلاث مرات . اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم ، من همزه ونفثه ونفخه ) قلت : يا رسول الله ما همزه ونفثه ونفخه ؟ قال : أما همزة فالموتة (الصراع) التي تأخذ بني آدم ، أما نفخه : الكثير ، ونفثه : الشعر ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان مختصرا .

 7 - وعن ابن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال : ( اللهم لك الحمد أنت قيم السموات والارض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت نور السموات والارض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت مالك السموات والارض ومن فيهن ، ولك الحمد ، أنت الحق ووعدك الحق ، ولقاؤك حق ، وقولك حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والنبيون حق ومحمد حق ، والساعة حق . أللهم لك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكلت وإليك أنبت ، وبك خاصمت ، وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت ، أنت المقدم وأنت المؤخر ، لا إله إلا أنت ، ولا إله غيرك ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك . وفي أبي داود عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان في التهجد يقوله بعدما يقول الله أكبر .

 8 - الاستعاذة : يندب للمصلي بعد دعاء الاستفتاح وقبل القراءة ، أن يأتي بالاستعاذة ، لقول الله تعالى : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) (أي إذا أردت القراءة فاستعذ : كقول الله تعالى ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ) ) . وفي حديث نافع بن جبير المتقدم ، أنه صلى الله عليه وسلم قال : ( اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم ) إلخ . وقال ابن المنذر : جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول قبل القراءة ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) . ( 4 ) الاسرار بها : ويسن الاتيان بها سرا . قال في المغني : ويسر الاستعاذة ولا يجهر بها ، لا أعلم فيه خلافا . انتهى : لكن الشافعي يرى التخيير بين الجهر بها والاسرار في الصلاة الجهرية ، وروي عن أبي هريرة الجهر بها عن طريق ضعيف .
 ( 2 ) مشروعيتها في الركعة الاولى دون سائر الركعات : ولا تشرع الاستعاذة إلا في الركعة الاولى . فعن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض في الركعة الثانية ، افتتح القراءة ب الحمد لله رب العالمين ، ولم يسكت . رواه مسلم . قال ابن القيم : اختلف الفقهاء ، هل هذا موضع استعاذة أو لا ؟ بعد اتفاقهم على أنه ليش موضع استفتاح ، وفي ذلك قولان ، هما رواية عن أحمد ، وقد بناهما بعض أصحابه على أن قراءة الصلاة هل هي قراءة واحدة ، فيكفي فيها استعاذة واحدة ، أو قراءة كل ركعة مستقلة برأسها ؟ ولا نزاع بينهما في أن الاستفتاح لمجموع الصلاة . والاكتفاء باستعاذة واحدة أظهر للحديث الصحيح ، وذكر حديث أبي هريرة ثم قال : وإنما يكفي استفتاح واحد ، لانه لم يتخلل القراءتين سكوت بل تخللهما ذكر ، فهي كالقراءة الواحدة إذا تخللها حمد الله ، أو تسبيح أو تهليل ، أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ونحو ذلك . وقال الشوكاني : الاحوط الاقتصار على ما وردت به السنة وهو الاستعاذة قبل قراءة الركعة الاولى فقط .

 ( 5 ) التأمين :
يسن لكل مصل ، إماما أو مأموما أو منفردا ، أن يقول آمين ، بعد قراءة الفاتحة ، يجهر بها في الصلاة الجهرية ، ويسر بها في السرية . فعن نعيم المجمر قال : صليت وراء أبي هريرة فقال : بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قرأ بأم القرآن ، حتى إذا بلغ ( ولا الضالين ) فقال آمين ، وقال الناس : آمين . ثم يقول أبو هريرة بعد السلام : والذي نفسي بيده إني لاشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذكره البخاري تعليقا (أي من غير ذكر السند) ورواه النسائي وابن خزيمة وابن حبان وابن السراج . وفي البخاري قال ابن شهاب : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : آمين . وقال عطاء ، آمين دعاء ، أمن ابن الزبير ومن وراء حتى إن للمسجد للجة (أي صوت مرتفع
) وقال نافع . كان ابن عمر لا يدعه ويحضهم ، وسمعت منه في ذلك خ برا . وعن أبي هريرة : كان رسول الله صلى الله عليه
 وسلم إذا تلا : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) قال : آمين ، حتى يسمع من يليه من الصف الاول ، رواه أبو داود وابن ماجه وقال : حتى يسمعها أهل الصف الاول فيرتج بها المسجد . ورواه أيضا الحاكم وقال : صحيح على شرطهما ، والبيهقي وقال حسن صحيح . والدار قطني وقال : إسناده حسن . وعن وائل بن حجر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فقال : آمين ، يمد بها صوته . رواه أحمد وأبو داود ، ولفظه ، رفع بها صوته . وحسنه الترمذي وقال : وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم ، يرون أن يرفع الرجل صوته بالتأمين ولا يخفيها . وقال الحافظ : سند هذا الحديث صحيح . وقال عطاء : أدركت مائتين من الصحابة في هذا المسجد ، إذا قال الامام : ولا الضالين ، سمعت لهم رجة آمين . وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما حسدتكم اليهود على شئ ، ما حسدتكم على السلام والتأمين خلف الامام . ) رواه أحمد وابن ماجة . استحباب موافقة الامام فيه : ويستحب للمأموم أن يوافق الامام ، فلا يسبقه في التأمين ولا يتأخر عنه فعن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا قال الامام : غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، فقولوا : آمين ، فإن من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ) رواه البخاري . وعنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا قال الامام ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) فقولوا آمين ( 1 ) فإن الملائكة يقولون : آمين وإن الامام يقول : آمين ، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي . وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا أمن الامام فأمنوا فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ) رواه الجماعة .
 ( هامش ) ( 1 ) قال الخطابي : معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا قال الامام ولا الضالين ) فقولوا ( آمين ) : أي مع الامام ، حتى يقع تأمينكم وتأمينه معا . وأما قوله : ( إذا أمن أمنوا ) فانه لا يخالفه ولا يدل على أنهم يؤخرونه عن وقت تأمينه ، وإنما هو كقول القائل : إذا رحل الامير فارحلوا : يعني إذا أخذ الامير في الرحيل فتهيأوا للارتحال ، لتكون رحلتكم مع رحلته . وبيان هذا في الحديث الاخر ( أن الامام يقول آمين ) إلى آخر الحديث .

 معنى آمين :
ولفط ( آمين ) يقصر ألفه ويمد مع تخفيف الميم ، وليس من الفاتحة ، وإنما دعاه معناه : اللهم استجب .

 ( 6 ) القراءة بعد الفاتحة :
يسن للمصلي أن يقرا سورة أو شيئا من القرآن بعد قراءة الفاتحة في ركعتي الصبح والجمعة ، والاوليين من الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، وجميع ركعات النفل . فعن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر ، في الاوليين ، بأم الكتاب وسورتين ، وفي الركعتين الاخريين ، بأم الكتاب ، ويسمعنا الاية أحيانا ، ويطول في الركعة الاولى ما لا يطول في الثانية . وهكذا في العصر ، وهكذا في الصبح . رواه البخاري ومسلم وأبو داود ، وزاد : قال : فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الاولى . وقال جابر بن سمرة : شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر فعزله ، واستعمل عليهم عمارا فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي ، فأرسل إليه فقال : يا أبا إسحق إن هؤلاء يزعمون أنك تصلي ، قال أبو إسحاق : أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما أخرم عنها (أي أنقص) : أصلي صلاة العشاء فأركد في الاوليين (أي أطول فيهما القراءة) وأخف في الاخريين قال : ذاك الظن بك يا أبا إسحق ، فأرسل معه رجلا أو رجالا إلى الكوفة ، فسأل عنه أهل الكوفة ، ولم يدع مسجدا إلا سأل عنه ، ويثنون معروفا ، حتى دخل مسجدا لبني عبس ، فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة ، يكنى أبا سعدة فقال : أما إذا ناشدتنا الله ، فإن سعدا كان لا يسير بالسرية ، ولا يقسم بالسوية ، ولا يعدل في القضية . قال سعد : أما والله لادعون بثلاث : اللهم إن كان عبدك هذا كاذبا قام رياء وسمعة فأطل عمره ، وأطل فقره ، وعرضه للفتن ، وكان بعد يقول : شيخ مفتون أصابتني دعوة سعد . قال عبد الملك : فإنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر ، وإنه ليتعرض للجواري في الطريق  يغمزهن . رواه البخاري وقال أبو هريرة : في كل صلاة يقرأ ، فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم ، وما أخفي عنا أخفينا عنكم ، وإن لم تزد على أم القرآن أجزأت ، وإن زدت فهو خير ، رواه البخاري . كيفية القراءة بعد الفاتحة : والقراءة بعد الفاتحة تجوز على أي نحو من الانحاء . قال الحسين : ( غزونا خراسان ومعنا ثلثمائة من الصحابة فكان الرجل منهم يصلي بنا فيقرأ الايات من السورة ثم يركع ) . وعن ابن عباس : أنه قرأ الفاتحة وآية من البقرة في كل ركعة . رواه الدار قطني بإسناد قوي . وقال البخاري : ( باب الجمع بين السورتين في الركعة والقراءة بالخواتيم وبسورة قبل سورة وبأول سورة ) . ويذكر عن عبد الله بن السائب : قرأ النبي صلى الله عليه وسلم ( المؤمنون ) في الصبح حتى إذا ذكر موسى وهارون ، أو ذكر عيسى أخذته سعلة فركع . وقرأ عمر في الركعة الاولى بمائة وعشرين آية من البقرة ، وفي الثانية بسورة من المثاني . وقرأ الاحنف بالكهف في الاولى ، وفي الثانية بيونس أو يوسف ، وذكر : أنه صلى مع عمر الصبح بهما ، وقرأ ابن مسعود بأربعين آية من الانفال وفي الثانية بسورة من المفصل . وقال قتادة فيمن قرأ سورة واحدة في ركعتين ، أو يردد سورة في ركعتين - : كل كتاب الله . وقال عبد الله بن ثابت عن أنس : كان رجل من الانصار يؤمهم في مسجد قباء . وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به ، افتتح ب ( قل هو الله أحد ) حتى يفرغ منها ، ثم يقرأ سورة أخرى معها ، وكان يصنع ذلك في كل ركعة . فكلمه أصحابه فقالوا : إنك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بأخرى ، فإما أن تقرأ بها وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى . فقال : ما أنا بتاركها . إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت وإن كرهتم تركتكم . وكانوا يرون أنه من أفضلهم وكرهوا أن يؤمهم غيره . فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم ، أخبروه الخبر فقال : ( يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك ، وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة ؟ فقال : إني أحبها . فقال : ( حبك إياها أدخلك الجنة ) . وعن رجل من جهينة : أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح : ( إذا زلزلت الارض ) في الركعتين كلتيهما قال : فلا أدري أنسي رسول الله صلى الله عليه وسلم أم قرأ ذلك عمدا ؟ رواه أبو داود ، وليس في إسناده مطعن . هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في القراءة بعد الفاتحة : نذكر هنا ما لخصه ابن القيم من قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفاتحة قال : فإذا فرغ من الفاتحة أخذ في سورة غيرها وكان يطيلها تارة ، ويخففها لعارض من سفر أو غيره ، ويتوسط فيها غالبا .

قراءة الفجر :
وكان يقرأ في الفجر بنحو ستين آية إلى مائة آية . وصلاها بسورة ( ق ) ، وصلاها ب ( الروم ) وصلاها ب ( إذا الشمس كورت ) وصلاها ب ( إذا زلزلت ) في الركعتين كلتيهما ، وصلاها بالمعوذتين وكان في السفر ، وصلاها فافتتح بسورة ( المؤمنون ) حتى بلغ ذكر موسى وهارون في الركعة الاولى فأخذته سعلة فركع ، وكان يصليها يوم الجمعة ب ( ألم تنزيل ( السجدة ) وسورة ( هل أتى على الانسان ) كاملتين ، ولم يفعل ما يفعله كثير من الناس اليوم من قراءة بعض هذه وبعض هذه . وأما ما يظنه كثير من الجهال أن صبح يوم الجمعة فضلت بسجدة ، فجهل عظيم ، ولهذا كره بعض الائمة قراءة سورة ( السجدة ) لاجل هذا الظن . وإنما كان صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين ، لما اشتملتا عليه من ذكر المبدأ والمعاد ، وخلق آدم ودخول الجنة والنار ، وغير ذلك ، مما كان ويكون في يوم الجمعة . فكان يقرا في فجرها ، ما كان ويكون في ذلك اليوم ، تذكيرا للامة بحوادث هذا اليوم ، كما كان يقرأ في المجامع العظام ، كالاعياد والجمعة ، بسورة ( ق ) و ( اقتربت ) و ( يسبح ) (أي سورة الاعلى) و ( الغاشية ) .

 القراءة في الظهر:
فكان يطيل قراءتها أحيانا ، حتى قال أبو سعيد : كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع ، فيقضي حاجته ، ثم يأتي أهله فيتوضأ ويدرك النبي صلى الله عليه وسلم في الركعة الاولى ، مما يطيلها ، رواه مسلم ، وكان يقرأ فيها تارة بقدر ( الم تنزيل ) وتارة ( سبح اسم ربك الاعلى ) ( والليل إذا يغشى ) وتارة ب ( والسماء ذات البروح ) ، ( والسماء والطارق ) . القراءة في العصر : وأما العصر فعلى النصف من قراءة صلاة الظهر إذا طالت . وبقدرها إذا قصرت . القراءة في المغرب : وأما المغرب فكان هديه فيها خلاف عمل اليوم ، فإنه صلاها مرة ب ( الاعراف ) في الركعتين ومرة ب ( الطور ) ومرة ب ( المرسلات ) قال أبو عمر ابن عبد البر : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في المغرب ب ( المص ) ( الاعراف ) وأنه قرأ فيها ب ( الصافات ) وأنه قرأ فيها ب ( حم ) الدخان ، وأنه قرأ فيها ب ( سبح اسم ربك الاعلى ) وأنه قرأ فيها ب ( والتين والزيتون ) ، وأنه قرأ فيها بالمعوذتين وأنه قرأ فيها ب ( المرسلات ) ، وأنه كان يقرأ فيها بقصار المفصل . وقال : وهي كلها آثار صحاح مشهورة ، انتهى كلام ابن عبد البر . وأما المداومة فيها على قصار المفصل دائما ، فهو فعل مروان بن الحكم ، ولهذا أنكر عليه زيد بن ثابت وقال مالك تقرا في المغرب بقصار المفصل وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بطولى الطوليين ؟ قال قلت : وما طولى الطوليين ؟ قال : الاعراف . وهذا حديث صحيح ، رواه أهل السنن . وذكر النسائي عن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بسورة ( الاعراف ) فرقها في الركعتين . فالمحافظة فيها على الاية والسورة من قصار المفصل خلاف السنة ، وهو فعل مروان بن الحكم ، القراءة في العشاء : وأما العشاء الاخرة : فقرأ فيها صلى الله عليه وسلم ب ( والتين والزيتون ) ووقت لمعاذ فيها ب ( والشمس وضحاها ) ( وسبح اسم ربك الاعلى ) ( والليل إذا يغشى ) ونحوها . وأنكر عليه قراءته فيها ( البقرة ) بعد ما صلى معه ، ثم ذهب إلى بني عمرو ابن عوف فأعادها لهم بعد ما مضى من الليل ما شاء الله ، وقرأ ( البقرة ) ولهذا قال له : ( أفان أنت يا معاذ ؟ ) فتعلق النقادون بهذه الكلمة ، ولميلتفتوا إلى ما قبلها ولا إلى ما بعدها . القراءة في الجمعة : وأما الجمعة فكان يقرا فيها بسورة ( الجمعة ) و ( المنافقين ) أو ( الغاشية ) كاملتين وسورة ( سبح ) و ( الغاشية ) . وأما الاقتصار على قراءة أواخر السورتين من ( يأيها الذين آمنوا ) إلى آخرها ، فلم يفعله قط . وهو مخالف لهديه الذي كان يحافظ عليه . القراءة في العيدين : وأما القراءة في الاعياد فتارة يقرأ سورة ( ق ) و ( اقتربت ) كاملتين وتارة سورة ( سبح ) و ( الغاشية ) وهذا هو الهدي الذي استمر عليه إن أن لقي الله عزوجل ، لم ينسخه شئ ، ولهذا أخذ به خلفاؤه الراشدون من بعده . فقرأ أبو بكر رضي الله عنه في الفجر سورة ( البقرة ) حتى سلم منها قريبا من طلوع الشمس فقالوا : يا خليفة رسول الله ، كادت الشمس تطلع ، فقال : لو طلعت لم تجدنا غافلين . وكان عمر رضي الله عنه يقرأ فيها ب ( يوسف ) و ( النحل ) و ( هود ) وبني إسرائيل ، ونحوها من السور . ولو كان تطويله صلى الله عليه وسلم منسوخا لم يخف على خلفائه الراشدين ويطلع عليه النقادون . وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن سمرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر ( ق والقرآن المجيد ) وكانت صلاته بعد تخفيفا فالمراد بقوله بعد : أي بعد الفجر ، أي أنه كان يطيل قراءة الفجر أكثر من غيرها وصلاته بعدها تخفيفا . ويدل على ذلك قول أم الفضل وقد سمعت ابن عباس يقرأ ( والمرسلات عرفا ) فقالت : يا بني لقد ذكرتني بقراءة هذه السورة ، إنها لاخر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقرأ بها في المغرب ، فهذا في آخر الامر إلى أن قال : وأما قوله صلى الله عليه وسلم ، يقرأ بها في المغرب ، فهذا في آخر الامر إلى أن قال : وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( أيكم أم بالناس فليخفف ) وقول أنس : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف الناس صلاة في تمام ) فالتخفيف أمر نسي ، يرجع إلى ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وواظب عليه ، لا إلى شهوة المأمومين ، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأمرهم بأمر ثم يخالفه وقد علم أن من ورائه الكبير والضعيف وذا الحاجة . فالذي فعله هو التخفيف الذي أمر به ، فأنه كان يمكن أن تكون صلاته أطول من ذلك بأضعاف مضاعفة فهي خفيفة بالنسبة إلى أطول منها . وهديه الذي واظب عليه ، هو الحاكم على كل ما تنازع عليه المتنازعون . ويدل ما رواه النسائي وغيره عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالتخفيف ويؤمنا ب ( الصافات ) ، فالقراءة ب ( الصافات ) من التخفيف الذي كان يأمر به . قراءة سورة بعينها : وكان صلى الله عليه وسلم لا يعين سورة في الصلاة بعينها ، لا يقرأ إلا بها ، إلا في الجمعة والعيدين ، وأما في سائر الصلوات فقد ذكر أبو داود ، في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه قال : ما من المفصل سورة صغيرة ولا كبيرة إلا وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم الناس بها في الصلاة المكتوبة . وكان من هديه قراءة السور الكاملة ، وربما قرأها في الركعتين وربما في أول السورة . وأما قراءة أواخر السور وأوساطها فلم يحفظ عنه . وأما قراءة السورتين في الركعة فكان يفعله في النافلة ، وأما في الفرض فلم يحفظ عنه ، وأما حديث ابن مسعود : إني لاعرف النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن السورتين في الركعة . ( الرحمن ) ( والنجم ) في ركعة . ( واقتربت ) و ( الحاقة ) في ركعة ، و ( والطور ) ( والذاريات ) في ركعة ، ( إذا وقعت ) و ( نون ) في ركعة . الحديث . فهذا حكاية فعل لم يعين محله . هل كان في الفرض أو في النفل ؟ وهو محتمل . وأما قراءة سورة واحدة في ركعتين معا فقلما كان يفعله . وقد ذكر أبو داود عن رجل من جهينة : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح ( إذا زلزلت ) في الركعتين كلتيهما قال : فلا أدري . أنسي رسول الله صلى الله عليه وسلم أم قرأ ذلك عمدا . إطالة الركعة الاولى في الصبح : وكان صلى الله عليه وسلم يطيل الركعة الاولى على الثانية من صلاة الصبح ، ومن كل صلاة وربما كان يطيلها حتى لا يسمع وقع قدم ، وكان يطيل صلاة الصبح أكثر من سائر الصلوات . وهذا ، لان قرآن الفجر مشهود ، يشهده الله تعالى وملائكته . وقيل : يشهده ملائكة الليل والنهار . والقولان مبنيان على أن النزول الالهي ، هل يدوم إلى انقضاء صلاة الصبح أو إلى طلوع الفجر ؟ وقد ورد فيه هذا وهذا . وأيضا ، فإنها لما نقص عدد ركعاتها جعل تطويلها عوضا عما نقصته من العدد ، وأيضا فإنها تكون عقيب النوم والناس مستريحون ، وأيضا فإنهم لم يأخذوا بعد في استقبال المعاش وأسباب الدنيا ، وأيضا فإنها تكون في وقت تواطأ السمع واللسان والقلب ، لفراغه وعدم تمكنه من الاشتغال فيه . فيفهم القرآن ويتدبره ، وأيضا فإنها أساس العمل وأوله ، فأعطيت فضلا من الاهتمام بها وتطويلها ، وهذه أسرار إنما يعرفها من له التفات إلى أسرار الشريعة ومقاصدها وحكمها . صفة قراءته صلى الله عليه وسلم : وكانت قراءته مدا ، يقف عند كل آية ، ويمد بها صوته . انتهى كلام ابن القيم . ما يستحب أثناء القراءة : يسن أثناء القراءة ، تحسين الصوت وتزيينه : ففي الحديث . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( زينوا أصواتكم بالقرآن ) وقال : ( ليس منا من لم يتغن بالقرآن ) وقال : ( إن أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعتموه وحسبتموه يخشى الله ) وقال : ( وما أذن الله شئ (استمع) ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن ) . قال النووي : يسن لكل من قرأ في الصلاة أو غيرها إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله ، وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ به من النار ، أو من العذاب ، أو من الشر ، أو من المكروه ، أو يقول : اللهم إني أسألك العافية ، أو نحو ذلك ، وإذا مر بآية تنزيه لله سبحانه وتعالى نزه الله فقال : ( سبحانه وتعالى ، أو تبارك الله رب العالمين ؟ أو جلت عظمة ربنا ، أو نحو ذلك . وروينا عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : ( صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فاتتح ( البقرة ) فقلت : يركع عند المائة ، ثم مضى ، فقلت : يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ، ثم افتتح ( آل عمران ) فقرأها ثم افتتح ( النساء فقرأها ، يقرأ مترسلا ، إذا مر بآية تسبيح سبح ، وإذا مر بسؤال سأل ، وإذا مر بتعوذ تعوذ ، رواه مسلم . قال أصحابنا : يستحب هذا ، والتسبيح السؤال والاستعاذة للقارئ في الصلاة وغيرها ، وللامام والمأموم والمنفرد ، لانه دعاء ، فاستووا فيه ، كالتأمين ، ويستحب لكل من قرأ ( أليس الله بأحكم الحاكمين ) أن يقول : بلى وأنا على ذلك من الشاهدين ، وإذا قرأ ( أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ) قال : بلى أشهد ، وإذا قرأ ( فبأي حديث بعده يؤمنون ) قال آمنت بالله . وإذا قال ( سبح اسم ربك الاعلى ) قال : سبحان ربي الاعلى . ويقول هذا في الصلاة وغيرها . مواضع الجهر والاسرار بالقراءة : والسنة أن يجهر المصلي في ركعتي الصبح والجمعة ، والاوليين من المغرب والعشاء ، والعيدين والكسوف والاستسقاء ، ويسر في الظهر والعصر ، وثالثة المغرب والاخريين من العشاء . وأما بقية النوافل ، فالنهارية لا جهر فيها ، والليلية يخير فيها بين الجهر والاسرار . والافضل التوسط : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بأبي بكر وهو يصلي ، يخفض صوته ، ومر بعمر وهو يصلي رافعا صوته ، فلما اجتمعا عنده قال : ( يا أبا بكر مررت بك وأنت تصلي تخفض صوتك ؟ ) فقال : يا رسول الله قد أسمعت من ناجيت ، وقال لعمر : ( مررت بك وأنت تصلي رافعا صوتك ) فقال : يا رسول الله ، أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان . فقال صلى الله عليه وسلم : ( يا أبا بكر ارفع من صوتك شيئا ) وقال لعمر : ( اخفض من صوتك شيئا ) رواه أحمد وأبو داود . وإن نسي فأسر في موضع الجهر ، أو جهر في موضع الاسرار فلاشئ عليه ، وإن تذكر أثناء قراءته بنى عليها .

القراءة خلف الامام :
الاصل أن الصلاة لا تصح إلا بقراءة سورة الفاتحة ، في كل ركعة من ركعات الفرض والنفل كما تقدم في فرائض الصلاة إلا أن المأموم تسقط عنه القراءة ويجب عليه الاستماع والانصات في الصلاة الجهرية ، لقول الله تعالى : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ) . ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا كبر الامام فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا ) صححه مسلم وعلى هذا يحمل حديث ( من كان له إمام فقراءة الامام له قراءة ) : أي إن قراءة الامام له قراءة في الصلاة الجهرية ، وأما الصلاة السرية فالقراءة فيها على المأموم وكذا تجب عليه القراءة في الصلاة الجهرية ، إذا كان بحيث لا يتمكن من الاستماع للامام . قال أبو بكر بن العربي : والذي نرجحه وجوب القراءة في الاسرار . لعموم الاخبار (أدلة وجوب القراءة التي تقدم الكلام عليها في فرائض الصلاة) ، أما الجهر فلا سبيل إلى القراءة فيه لثلاثة أوجه : أحدها : أنه عمل أهل المدينة ، الثاني أنه حكم القرآن قال الله تعالى : ( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا ) وقد عضدته السنة بحديثين . أحدهما حديث عمران بن حصين ( قد (قال له النبي صلى الله عليه وسلم ، لما سمع رجلا يقرأ خلفه ( سبح اسم ربك الاعلى )) علمت أن بعضكم خالجنيها (نازعنيها) ) . الثاني : قوله : ( وإذا قرأ فأنصتوا ) . الثالث : الترجيح ، إن القراءة مع الامام لا سبيل إليها ، فمتى يقرأ ؟ فإن قيل يقرأ في سكتة الامام قلنا . السكوت لا يلزم الامام ، فكيف يركب فرض على ما ليس بفرض ؟ لا سيما وقد وجدنا وجها للقراءة مع الجهر ، وهي قراءة القلب بالتدبر والتفكر ، وهذا نظام القرآن والحديث وحفظ العبادة . ومراعاة السنة ، وعمل بالترجيح انتهى . وهذا اختيار الزهري وابن المبارك ، وقول لمالك وأحمد وإسحاق ، ونصره ورجحه ابن تيمية .

 ( 7 ) تكبيرات الانتقال :
يكبر في كل رفع وخفض وقيام وقعود ، إلا في الرفع من الركوع فإنه يقول : سمع الله لمن حمده ، فعن ابن مسعود قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود . رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه . ثم قال والعمل عليه عند أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم ، ومن بعدهم من التابعين ، وعليه عامة الفقهاء والعلماء ، انتهى ، فعن أبي بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث أنه سمع أبا هريرة يقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم . ثم يكبر حين يركع ثم يقول : سمع الله لمن حمده ، حين يرفع صلبه من الركعة ، ثم يقول وهو قائم : ربنا لك الحمد ، قبل أن يسجد ، ثم يقول : الله أكبر حين يهوي ساجدا ، ثم يكبر حين يرفع رأسه ، ثم يكبر حين يقوم من الجلوس في اثنتين ، ثم يفعل ذلك في كل ركعة حتى يفرغ من الصلاة ، قال أبو هريرة : كانت هذه صلاته حتى فارق الدنيا . رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود . وعن عكرمة قال قلت لابن عباس : صليت الظهر بالبطحاء خلف شيخ أحمق ، فكبر اثنتين وعشرين تكبيرة ، يكبر إذا سجد ، وإذا رفع رأسه . فقال ابن عباس : تلك صلاة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم رواه أحمد والبخاري . ويستحب أن يكون ابتداء التكبير حين يشرع في الانتقال .

 ( 8 ) هيئات الركوع :
 الواجب في الركوع مجرد الانحناء ، بحيث تصل اليدان إلى الركبتين ، ولكن السنة فيه تسوية الرأس بالعجز ، والاعتماد باليدين على الركبتين مع مجافاتهما على الجنبين ، وتفريج الاصابع على الركبة والساق ، وبسط الظهر . فعن عقبة بن عامر ( إنه ركع فجافى يديه ، ووضع يديه على ركبتيه ، وفرج بين أصابعه من وراء ركبتيه وقال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي . وعن أبي حميد : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع اعتدل ، ولم يصوب رأسه ولم يقنعه ( 1 ) ،
 ( 1 ) ( يصوب ) يميل به إلى أسفل . ( يقنعه ) : يرفعه إلى أعلى
ووضع يديه على ركبتيه كأنه قابض عليهما ، رواه النسائي . وعند مسلم عن عائشة رضي الله عنها : كان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه . ولكن بين ذلك . وعن علي رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع ، لو وضع قدح من ماء على ظهره لم يهرق (يصب منه شئ ، لاستواء ظهره) . رواه أحمد وأبو داود في مراسيله وعن مصعب بن سعد قال : صليت إلى جانب أبي ، فطبقت بين كفي ثم وضعتهما بين فخذي . فنهاني عن ذلك وقال : كنا نفعل هذا ، فأمرنا أن نضع أيدينا على الركب . رواه الجماعة .

 ( 9 ) الذكر فيه (الركوع) :
يستحب الذكر في الركوع بلفظ ( سبحان ربي العظيم ) . فعن عقبة بن عامر قال : لما نزلت ( فسبح باسم ربك العظيم ) قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم ( اجعلوها في ركوعكم ) رواه أحمد وأبو داود وغيرهما بإسناد جيد . وعن حذيفة قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يقول في ركوعه : ( سبحان ربي العظيم ) رواه مسلم وأصحاب السنن . وأما لفظ ( سبحان ربي العظيم وبحمده ) فقد جاء من عدة طرق كلها ضعيفة . قال الشوكاني : ولكن هذه الطرق تتعاضد ، ويصح أن يقتصر المصلي على التسبيح ، أو يضيف إليه أحد الاذكار الاتية:
 1- عن علي رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع قال : ( أللهم لك ركعت ، وبك آمنت ، ولك أسلمت ، وأنت ربي خشع سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي وما استقلت به قدمي لله رب العالمين ) رواه أحمد ومسلم وأبو داود وغيرهم .
 2- عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده : ( سبوح قدوس (الفصيح منها ، ضم الاول ، وهما خبر لمبتدأ محذوف أنت ؟ تقدير معناهما أنت منزه ومطهر عن كل ما لا يليق بجلالك) رب الملائكة والروح ) .
 3- وعن عوف بن مالك الاشجعي قال : قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة ، فقام فقرأ سورة ( البقرة ) إلى أن قال فكان يقول في ركوعه : وسبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة ) رواه أبو داود والترمذي والنسائي . وعن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : ( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي ) يتأول القرآن (أي يعمل بقبول الله تعالى ( فسبح بحمد ربك واستغفره) رواه أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم .

 ( 10 ) أذكار الرفع من الركوع والاعتدال :
يستحب للمصلي - إماما أو مأموما أو منفردا - أن يقول عند الرفع من الركوع : سمع الله لمن حمده ، فإذا استوى قائما فليقل : ربنا ولك الحمد ، أو : اللهم ربنا ولك الحمد ، فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : سمع الله لمن حمده ، حين يرفع صلبه من الركعة ، ثم يقول وهو قائم : ربنا ولك الحمد ، رواه أحمد والشيخان . وفي البخاري من حديث أنس : وإذا قال : سمع الله لمن حمده . فقولوا : اللهم ربنا ولك الحمد . يرى بعض العلماء . أن المأموم لا يقول ( سمع الله لمن حمده ) بل إذا سمعها من الامام يقول : اللهم ربنا ولك الحمد . لهذا الحديث . ولحديث أبي هريرة عند أحمد وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا قال الامام سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد ، فإن من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ) ولكن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) يقتضي أن يجمع كل مصل بين التسبيح والتحميد ، وإن كان مأموما ويجاب عما استدل به القائلون ( بأن المأموم لا يجمع بينهما ) بل يأتي بالتحميد فقط ، بما ذكره النووي قال : قال أصحابنا ، فمعناه قولوا : ( ربنا لك الحمد ) مع ما قد علمتموه من قول سمع الله لمن حمده ، وإنما خص هذا بالذكر ، لانهم كانوا يسمعون جهر النبي صلى الله عليه وسلم ( سمع الله لمن حمده ) فإن السنة فيه الجهر ولا يسمعون قوله : ربنا لك الحمد ، لانه يأتي به سرا . وكانوا يعلمون قوله صلى الله عليه وسلم : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) مع قاعدة التأسي به صلى الله عليه وسلم مطلقا ، وكانوا يوافقون في ( سمع الله لمن حمده ) فلم يحتج إلى الامر به ، ولا يعرفون ( ربنا لك الحمد ) فأمروا به . هذا أقل ما يقتصر عليه في التحميد حين الاعتدال ويستحب الزيادة على ذلك بما جاء في الاحاديث الاتية :

1 - عن رفاعة بن رافع قال : كنا نصلي يوما وراء النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من الركعة وقال : سمع الله لمن حمده ، قال رجل وراءه : ( ربنا لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ) فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من المتكلم آنفا ) ؟ قال الرجل : أنا يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لقد رأيت بضعة (من الثلاثة إلى العشرة) وثلاثين ملكا يبتدرونها ، أيهم يكتبها أولا ) رواه أحمد والبخاري ومالك وأبو داود . وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع من الركعة قال : ( سمع الله لمن حمده وربنا ولك الحمد مل ء (بفتح الهمزة ، هذا هو المشهور أي لو جسم الحمد لملا السموات والارض وما بينهما لعظمه) السموات والارض وما بينهما ، ومل ء ما شئت من شئ بعد ) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي .

3 - وعن عبد الله بن أبي أوفى عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : وفي لفظ : يدعو ، إذا رفع رأسه من الركوع : ( اللهم لك الحمد مل ء السماء ومل ء الارض ومل ء ما شئت من شئ بعد : اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد ، اللهم طهرني من الذنوب ونقني منها كما ينقى الثوب الابيض من الوسخ ) رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجة . ومعنى الدعاء : طلب الطهارة الكاملة .

 4 - وعن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال : ( سمع الله لمن حمده ) قال : ( اللهم ربنا لك الحمد مل ء السموات ومل ء الارض ومل ء ما شئت من شئ بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال  العبد ، وكلنا لك عبد : لا مانع لما أعطيت . ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) رواه مسلم وأحمد وأبو داود .

 5 - وصح عنه صلى الله عليه وسلم : أنه كان يقول بعد ( سمع الله لمن حمده ) ( لربى الحمد ، لربي الحمد ) حتى يكون اعتداله قدر ركوعه .

 ( 11 ) كيفية الهوي إلى السجود والرفع منه :
 ذهب الجمهور إلى استحباب وضع الركبتين قبل اليدين ، حكاه ابن المنذر عن عمر النخعي ومسلم بن يسار وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي قال : وبه أقول ، انتهى . وحكاه أبو الطيب عن عامة الفقهاء . وقال ابن القيم : وكان صلى الله عليه وسلم يضع ركبتيه قبل يديه ثم يديه بعدهما ثم جبهته وأنفه هذا هو الصحيح الذي رواه شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه . عن وائل بن حجر قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه ، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه ولم يرو في فعله ما يخالف ذلك ، انتهى . وذهب مالك والاوزاعي وابن حزم إلى استحباب وضع اليدين قبل الركبتين ، وهو رواية عن أحمد . قال الاوزاعي : أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم . وقال ابن أبي داود : وهو قول أصحاب الحديث . وأما كيفية الرفع من السجود حين القيام إلى الركعة الثانية ، فهو على الخلاف أيضا ، فالمستحب عند الجمهور أن يرفع يديه ثم ركبتيه ، وعند غيرهم يبدأ برفع ركبتيه قبل يديه .

 ( 12 ) هيئة السجود :
يستحب للساجد أن يراعي في سجوده ما يأتي :
 1 - تمكين أنفه وجبهته ويديه على الارض ، مع مجافاتهما عن جنبيه ، فعن وائل بن حجر : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سجد وضع جبهته بين كفيه وجافى عن إبطيه . رواه أبو داود . وعن أبي حميد : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الارض ، ونحى يديه عن جنبيه ، ووضع كفيهحذو منكبيه ، رواه ابن خزيمة والترمذي وقال : حسن صحيح .
 2 - وضع الكفين حذو الاذنين أو حذو المنكبين ، وقد ورد هذا وذاك ، وجمع بعض العلماء بين الروايتين ، بأن يجعل طرفي الابهامين حذو الاذنين ، وراحتيه حذو منكبيه .
 3 - أن يبسط أصابعه مضمومة ، فعند الحاكم وابن حبان : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع فرج بين أصابعه . وإذا سجد ضم أصابعه .
 4 - أن يستقبل بأطراف أصابعه القبلة فعند البخاري من حديث أبي حميد : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد وضع يديه غير مفترشهما ولا قابضهما ، واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة .

 ( 13 ) مقدار السجود وأذكاره :
يستحب أن يقول الساجد حين سجوده : ( سبحان ربي الاعلى ) . فعن عقبة بن عامر قال : لما نزلت ( سبح اسم ربك الاعلى ) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اجعلوها في سجودكم ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم ، وسنده جيد . وعن حذيفة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده : ( سبحان ربي الاعلى ) رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن . وقال الترمذي : حسن صحيح . وينبغي أن لا ينقص التسبيح في الركوع والسجود عن ثلاث تسبيحات . قال الترمذي : والعمل على هذا عند أهل العلم ، يستحبون أن لا ينقص الرجل في الركوع والسجود عن ثلاث تسبيحات ، انتهى . وأما أدنى ما يجزئ فالجمهور على أن أقل ما يجزئ في الركوع والسجود قدر تسبيحة واحدة . وقد تقدم أن الطمأنينة هي الفرض وهي مقدرة بمقدار تسبيحة . وأما كمال التسبيح فقدره بعض العلماء بعشر تسبيحات لحديث سعيد بن جبير عن أنس قال : ( ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الغلام ، يعني عمر بن عبد العزيز فحزرنا في الركوع عشر تسبيحات (أي قدرنا)  وفي السجود عشر تسبيحات ) . رواه أحمد وأبو داود والنسائي بإسناد جيد . قال الشوكاني : قيل : فيه حجة لمن قال : إن كمال التسبيح عشر تسبيحات . والاصح أن المفرد يزيد في التسبيح ما أراد وكلما زاد كان أولى . والاحاديث الصحيحة في تطويله صلى الله عليه وسلم ناطقة بهذا . وكذا الامام إذا كان المؤتمون لا يتأذون بالتطويل . انتهى . وقال ابن عبد البر : ينبغي لكل إمام أن يخفف ، لامره صلى الله عليه وسلم ، وإن علم قوة من خلفه ، فإنه لا يدري ما يحدث لهم من حادث ، وشغل عارض وحاجة وحدث وغير ذلك . وقال ابن المبارك : استحب للامام أن يسبح خمس تسبيحات ، لكي يدرك من خلفه ثلاث تسبيحات . والمستحب ألا يقتصر المصلي على التسبيح ، بل يزيد عليه ما شاء من الدعاء . ففي الحديث الصحيح : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أقرب ما يكون أحدكم من ربه وهو ساجد ، فأكثروا فيه من الدعاء ) ، وقال : ( ألا إني نهيت أن أقرأ راكعا أو ساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب ، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن (بفتح أوله وثانية أو كسر ثانيه . أي حقيق وجدير) أن يستجاب لكم ) رواه أحمد ومسلم . وقد جاءت أحاديث كثيرة في ذلك نذكرها فيما يلي :
1 - عن علي رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد يقول : ( اللهم لك سجدت ، وبك آمنت ، ولك أسلمت ، سجد وجهي للذي خلقه فصوره فأحسن صوره ، فشق سمعه وبصره : فتبارك الله أحسن الخالقين ) رواه أحمد ومسلم .
2 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما يصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التهجد قال : ثم خرج إلى الصلاة فصلى وجعل يقول في صلاته أو في سجوده : ( اللهم اجعل في قلبي نورا ، وفي سمعي نورا ، وفي بصري نورا ، وعن يميني نورا ، وعن يساري نورا ، وأمامي نورا ، وخلفي نورا ، وفوقي نورا ، وتحتي نورا ، واجعلني نورا ، قال شعبة : أو قال : ( اجعل لي نورا ) رواه مسلم وأحمد وغيرهما ، وقال النووي : قال العلماء : سأل النور في جميع أعضائه وجهاته ، والمراد بيان الحق والهداية إليه . فسأل النور في جميع أعضائه وجسمه ، وتصرفاته وتقلباته وحالته وجملته ، في جهاته الست . حتى لا يزيغ شئ منها عنه .
 3 - وعن عائشة : أنها فقدت النبي صلى الله عليه وسلم من مضجعه فلمسته بيدها ، فوقعت عليه وهو ساجد ، وهو يقول : ( رب أعط نفسي تقواها ، وزكها ، أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها ) رواه أحمد .
 4 - وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده
 ( اللهم اغفر لي ذنبي كله ، دقه وجله (صغيره وكبيره) وأوله وآخره ، وعلانيته وسره ) رواه مسلم وأبو داود والحاكم .
 5 - وعن عائشة قالت : فقدت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فلمسته في المسجد ، فإذا هو ساجد وقدماه منصوبتان ، وهو يقول : ( أللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) رواه مسلم وأصحاب السنن .
 6 - وعنها أنها فقدته صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فظنت أنه ذهب إلى بعض نسائه ، فتحسسته فإذا هو راكع أو ساجد يقول : ( سبحانك اللهم وبحمدك ، لا إله إلا أنت ) فقالت : ( بأبي أنت وأمي ، إني لفي شأن وإنك لفي شأن آخر ) رواه أحمد ومسلم والنسائي .
7 - وكان صلى الله عليه وسلم يقول وهو ساجد : ( اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي ، وإسرافي في أمري ، وما أنت أعلم به مني . اللهم اغفر لي جدي وهزلي ، وخطئي ، وعمدي ، وكل ذلك عندي . اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت . أنت إلهي لا إله إلا أنت ) .

 ( 14 ) صفة الجلوس بين السجدتين :
السنة في الجلوس بين السجدتين ، أن يجلس مفترشا . وهو أن يثني رجله اليسرى فيبسطها ويجلس عليها ، وينصب رجله اليمنى ، جاعلا أطراف أصابعها إلى القبلة . فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى . رواه البخاري ومسلم . وعن ابن عمر : من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة ، والجلوس على اليسرى ، رواه النسائي . وقال نافع : كان ابن عمر إذا صلى استقبل القبلة بكل شئ حتى بنعليه ، رواه الاثرم . وفي حديث أبي حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثم ثنى رجله اليسرى وقعد علهيا ، ثم اعتدل حتى رجع كل عظم موضعه ، ثم هوى ساجدا . رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه . وقد ورد أيضا استحباب الافعاء ، وهو أن يفرش قدميه ويجلس على عقبيه . قال أبو عبيدة : هذا قول أهل الحديث . فعن أبي الزبير أنه سمع طاووسا يقول : قلنا لابن عباس في الاقعاء على القدمين . فقال : هي السنة ، قال : فقلنا : إنا لنراه جفاء بالرجل . فقال : هي سنة نبيك صلى الله عليه وسلم . رواه مسلم . وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أنه كان إذا رفع رأسه من السجدة الاولى يقعد على أطراف أصابعه ، ويقول : إنه من السنة . وعن طاووس قال : رأيت العبادلة يعني عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير يقعون رواهما البيهقي : قال الحافظ : صحيحة الاسناد وأما الاقعاء - بمعنى وضع الاليتين على الارض ونصب الفخذين - فهذا مكروه ، باتفاق العلماء . فعن أبي هريرة قال : ( نهاني النبي صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة : عن نقرة كنقرة الديك ، وإقعاء كاقعاء الكلب ، والتفات كالتفات الثعلب ) ، رواه أحمد والبيهقي والطبراني وأبو يعلى . وسنده حسن ، ويستحب للجالس بين السجدتين أن يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى ، بحيث تكون الاصابع مبسوطة موجهة جهة القبلة ، مفرجة قليلا ، منتهية إلى الركبتين . الدعاء بين السجدتين : يستحب الدعاء في السجدتين بأحد الدعاءين الاتيين ويكرر إذا شاء . روى النسائي وابن ماجه عن حذيفة رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين : ( رب اغفر لي ) وروى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين ( اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني.

 ( 15 ) جلسة الاستراحة :
هي جلسة خفيفة يجلسها المصلي بعد الفراغ من السجدة الثانية من الركعة الاولى ، قبل النهوض إلى الركعة الثانية ، وبعد الفراغ من السجدة الثانية ، من الركعة الثالثة ، قبل النهوض إلى الركعة الرابعة . وقد اختلف العلماء في ذلك حكمها ، تبعا لاختلاف الاحاديث . ونحن نورد ما لخصه ابن القيم في ذلك قال : واختلف الفقهاء فيها ، هل هي من سنن الصلاة ، فيستحب لكل أحد أن يفعلها ، أو ليست من السنن ، وإنما يفعلها من احتاج إليها ؟ على قولين ، هما روايتان عن أحمد رحمه الله قال الخلال : ( رجع أحمد إلى حديث مالك ابن الحويرث في جلسة الاستراحة وقال : أخبرني يوسف بن موسى : أن أبا أمامة سئل عن النهوض فقال : على صدور القدمين ، على حديث رفاعة . وفي حديث ابن عجلان ما يدل على أنه كان ينهض على صدور قدميه ، وقد روى عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وسائر من وصف صلاته صلى الله عليه وسلم ، لم يذكر هذه الجلسة وإنما ذكرت في حديث أبي حميد ومالك بن الحويرث . ولو كان هديه صلى الله عليه وسلم فعلها دائما ، لذكرها كل واصف لصلاته صلى الله عليه وسلم ، ومجرد فعله دائما ، لذكرها كل واصف لصلاته صلى الله عليه وسلم ، ومجرد فعله صلى الله عليه وسلم لها لا يدل على أنها من سنن الصلاة ، إلا إذا علم أنه فعلها سنة فيقتدى به فيها وأما إذا قدر أنه فعلها للحاجة : لم يدل على كونها سنة من سنن الصلاة .

 ( 16 ) صفة الجلوس للتشهد :
ينبغي في الجلوس للتشهد مراعاة السنن الاتية :

 ( أ ) : أن يضع يدبه على الصفة المبينة في الاحاديث الاتية :
 1 - عن ابن عمر رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان  إذا قعد للتشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ، واليمنى على اليمنى وعقد ثلاثا وخمسين (أي قبض أصابعه ، وجعل الابهام على الفصل الاوسط من تحت السبابة) وأشار بأصبعه السبابة . وفي رواية : وقبض أصابعه كلها . وأشار بالتي تلي الابهام . رواه مسلم .
 2 - وعن وائل بن حجر : أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع كفه اليسى على فخذه ، وركبته اليسرى ، وجعل حد مرفقه الايمن على فخذه الايمن ، ثم قبض بين أصابعه فحلق حلقة . وفي رواية : حلق بالوسطى والابهام وأشار بالسبابة ، ثم رفع أصبعه فرأيته يحركها يدعو بها ، رواه أحمد ، قال البيهقي : يحتمل أن يكون المراد بالتحريك الاشارة بها . لا تكرير تحريكها ، ليكون موافقا لرواية ابن الزبير : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير بإصبعه إذا دعا لا يحركها . رواه أبو داود بإسناد صحيح . ذكره النووي .
 3 - وعن الزبير رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في التشهد ، وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ، ويده اليسرى على فخذه اليسرى ، وأشار بالسبابة ، ولم يجاوز بصره إشارته ) رواه أحمد ومسلم والنسائي . ففي هذا الحديث الاكتفاء بوضع اليمنى على الفخذ بدون قبض . والاشارة بسبابة اليد اليمنى ، وفيه : أنه من السنة أن لا يجاوز بصر المصلي إشارته . فهذه كيفيات ثلاث صحيحة ، والعمل بأي كيفية جائز .
 ( ب ) : أن يشير بسبابته اليمنى مع انحنائها قليلا حتى يسلم . فعن نمير الخزاعي قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قاعد في الصلاة قد وضع ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى ، رافعا إصبعه السبابة ، وقد حناها شيئا وهو يدعو . رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة بإسناد جيد : وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسعد وهو يدعو بأصبعين فقال : ( أحد يا سعد ) (أشر باصبع واحد ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم . وقد سئل ابن عباس عن الرجل يدعو يشير بإصبعه ؟ فقال : هو الاخلاص . وقال أنس بن مالك : ذلك التضرع ، وقال مجاهد : مقمعة للشيطان . ورأى الشافعية أن يشير بالاصبع مرة واحدة عند قوله ( إلا الله ) من الشهادة ، وعند الحنفية يرفع سبابته عند النفي ( 1 ) . ويضعها عند الاثبات ، وعند المالكية ، يحركها يمينا وشمالا إلى أن يفرغ من الصلاة ، ومذهب الحنابلة يشير بإصبعه كلما ذكر اسم الجلالة ، إشارة إلى التوحيد ، لا يحركها .
 ( ح ) : أن يفترش في التشهد الاول ( 2 ) ويتورك في التشهد الاخير . ففي حديث أبي حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فإذا جلس في الركعتين ( 3 ) جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى ، فإذا جلس في الركعة الاخيرة قدم رجله اليسرى ونصب الاخرى وقعد على مقعدته ) رواه البخاري .
 ( 1 ) يرفع سبابته عد النفي ) : عند قوله لا ، ( ويضعها عند الاثبات ) أي عند قوله ( إلا الله ) من الشهادة . ( 2 ) تقدم بيان معناه في صفة الجلوس بين السجدتين . ( والتورك ) أن ينصب رجله اليمنى مواجها أصبعه الى القبلة ، ويثني رجله اليسرى تحتها ويجلس بمقعدته على الارض . ( 3 ) ( فإذا جلس في الركعتين ) : أي للتشهد الاول

( 17 ) التشهد الاول :
يرى جمهور العلماء ، أن التشهد الاول سنة ، لحديث عبد الله ابن بحينة أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في صلاة الظهر وعليه جلوس ، فلما أتم صلاته سجد سجدتين ، يكبر في كل سجدة وهو جالس ، قبل أن يسلم ، وسجدهما الناس معه ، فكان ما نسي من الجلوس ، رواه الجماعة . وفي سبل السلام الحديث دليل على أن ترك التشهد الاول سهوا يجبره سجود السهو . وقوله صلى الله عليه وسلم : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) يدل على وجوب التشهد الاول ، وجبرانه عند تركه ، دل على أنه وإن كان واجبا فإنه يجبره سجود السهو ، والاستدلال على عدم وجوبه بذلك لا يتم حتى يقوم الدليل على أن كل واجب لا يجزئ عنه سجود السهو إن ترك سهوا . وقال الحافظ في الفتح . قال ابن بطال : والدليل على أن سجود السهو لا ينوب عن الواجب ، إنه لو نسي تكبيرة الاحرام لم تجبر ، فكذلك التشهد ، ولانه ذكر لا يجهر فيه بحال فلم يجب ، كدعاء الاستفتاح ، واحتج غيره بتقريره صلى الله عليه وسلم الناس على متابعته ، بعد أن علم أنهم تعمدوا تركه ، وفيه نظر . وممن قال بوجوبه ، الليث بن سعد ، وإسحاق وأحمد في المشهور ، وهو قول الشافعي ، وفي رواية عند الحنفية . واحتج الطبراني لوجوبه ، بأن الصلاة فرضت أولا ركعتين ، وكان التشهد فيها واجبا ، فلما زيدت لم تكن الزيادة مزيلة لذلك الوجوب . استحباب التخفيف فيه : ويستحب الخفيف فيه . فعن ابن مسعود قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الركعتين الاوليين كأنه على الرضف (جمع رضفة : وهي الحجارة المحماة ، وهو كناية عن تخفيف الجلوس) رواه أحمد وأصحاب السنن : وقال الترمذي : حسن إلا أن عبيدة (عبيدة بن عبد الله بن مسعود الذي روى الحديث عن أبيه ابن مسعود) لم يسمع من أبيه . قال الترمذي : والعمل على هذا عند أهل العلم يختارون أن لا يطيل الرجل في القعود في الركعتين ، لا يزيد على التشهد شيئا . وقال ابن القيم : لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه وعلى آله في التشهد الاول ، ولا كان يستعيذ فيه من عذاب القبر وعذاب النار وفتنة المحيا وفتنة الممات وفتنة المسيح الدجال ، ومن استحب ذلك فإنما فهمه من عمومات وإطلاقات ، قد صح تبيين موضعها وتقييدها بالتشهد الاخير .

 ( 18 ) الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم :
يستحب للمصلي أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الاخير ، بإحدي الصيغ التالية :
 1 - عن أبي مسعود البدري قال : ( قال بشير بن سعد : يا رسول الله أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك ؟ فسكت ثم قال : ( قولوا : اللهم صل على محمد ( 3 ) وعلى آل محمد ( 4 ) كما صليت على آل إبراهيم . وبارك
( هامش ) ( 3 ) ( اللهم ) : أي يا الله . ( صلاة الله على نبيه ) ثناؤه عليه وإظهار فضله وشرفه وإرادة تكريمه وتقريبه . ( 4 ) ( آله ) قيل : هم من حرمت عليهم الصدقة من بني هاشم وبني المطلب . وقيل هم ذريته وأزواجه ، وقيل هم أمته وأتباعه إلى يوم القيامة ، وقيل : هم المتقون من أمته ، قال : ابن القيم : الاول هو الصحيح ، ويليه القول الثاني وضعف الثالث والرابع ، وقال النووي : أظهرها ، وهو اختيار الازهري وغيره من المحققين أنهم جميع الامة .
 على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد (هو الذي له من الصفات وأسباب الحمد ما يقتضي أن يكون محمودا ، وإن لم يحمده غيره ، فهو حميد في نفسه . ( والمجيد ) من كمل في العظمة والجلال) مجيد ، والسلام كما علمتم ) رواه مسلم وأحمد .
 2 - وعن كعب بن عجزة قال : قلنا : يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : ( فقولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد : اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ) رواه الجماعة . وإنما كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مندوبة وليست بواجبة ، لما رواه الترمذي وصححه ، وأحمد وأبو داود عن فضالة بن عبيد قال : سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته ، فلم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( وعجل هذا ) ، ثم دعاه فقال له أو لغيره : ( إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ليدع بما شاء الله ) قال صاحب المنتقى : وفيه حجة لمن لا يرى الصلاة عليه فرضا ، حيث لم يأمر تاركها بالاعادة ويعضده قوله في خبر ابن مسعود بعد ذكر التشهد : ( ثم يتخير من المسألة ما شاء ) وقال الشوكاني : لم يثبت عندي ما يدل للقائلين بالوجوب .

 ( 19 ) الدعاء قبل التشهد الاخير وقبل السلام :
 يستحب الدعاء بعد التشهد وقبل السلام بما شاء من خيري الدنيا والاخرة . فعن عبد الله بن مسعود : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، علمهم التشهد ثم قال في آخره : ( ثم لتختر من المسألة ما تشاء ) رواه مسلم . والدعاء مستحب مطلقا ، سواء كان مأثورا أو غير مأثور إلا أن الدعاء بالمأثور أفضل . ونحن نورد بعض ما ورد في ذلك .
 1 - عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا فرغ أحدكم من التشهد الاخير فليتعوذ بالله من أربع ، يقول : اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر فتنة المسيح الدجال ) رواه مسلم
2 - وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة : ( اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، وأعوذ بك من فتنة الدجال ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات : اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم (المأثم : الاثم ، والمغرم : الدين) متفق عليه .
3 - وعن علي رضي الله عنه قال ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة ، يكون آخر ما يقول بين التشهد والتسليم : ( اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني ، أنت المقدم وأنت المؤخر : لا إله إلا أنت ) رواه مسلم .
4 - وعن عبد الله بن عمرو : ( أن أبا بكر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم . علمني دعاء أدعو به في صلاتي ؟ قال : قل : اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ) متفق عليه .
5 - وعن حنظلة بن علي : أن محجن بن الادرع حدثه قال : ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا هو برجل قد قضى صلاته (قارب أن ينتهي منها) وهو يتشهد ويقول : اللهم إني أسألك يا الله الواحد الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم ، فقال النبي صلى الله عه وسلم . ( قد غفر ) ثلاثا . رواه أحمد وأبو داود .
6 - وعن شداد بن أوس قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في صلاته : اللهم إني أسألك الثبات في الامر ، والعزيمة على الرشد ، وأسألك شكر نعمتك ، وحسن عبادتك ، وأسألك قلبا سليما . ولسانا صادقا ، وأسألك من خير ما تعلم ، وأعوذ بك من شر ما تعلم ، وأستغفرك لما تعلم ) رواه النسائي.
 7 - وعن أبي مجلز قال : صلى بنا عمار بن ياسر رضي الله عنهما صلاة فأوجز فيها ، فأنكروا ذلك فقال : ( ألم أتم الركوع والسجود ؟ . . . قالوا : بلى . قال : أما إني دعوت فيها بدعاء كان رسول اله صلى الله عليه وسلم يدعو به : اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ، أسألك خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الغضب والرضا ، والقصد في الفقر والغني ، ولذة النظر إلى وجهك ، والشوق إلى لقائك ، وأعوذ بك من ضراء مضرة ، ومن فتنة مضلة ، اللهم زينا بزينة الايمان ، واجعلنا هداة مهديين ) رواه أحمد والنسائي بإسناد جيد .
 8 - وعن أبي صالح عن رجل من الصحابة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل : ( كيف تقول في الصلاة ؟ ) قال : أتشهد ، ثم أقول . اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار ، أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة (الكلام الغير المفهوم
) معاذ . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( حولها ندندن ) . رواه أحمد وأبو داود .
 9 - وعن ابن مسعود : أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه أن يقول هذا الدعاء : اللهم ألف بين قلوبنا ، وأصلح ذات بيننا ، واهدنا سبل السلام ونجنا من الظلمات إلى النور ، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ، واجعلنا شاكرين لنعمتك ، مثنين بها وقابليها وأتمها علينا ) رواه أحمد وأبو داود .
 10 - وعن أنس قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ورجل قائم يصلي ، فلما ركع وتشهد قال في دعائه : اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان ، بديع السموات والارض يا ذا الجلال والاكرام يا حي يا قيوم إني أسألك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم لاصحابه : ( أتدرون بم دعا ؟ ) قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : ( والذي نفس محمد بيده لقد دعا الله باسمه العظيم ، الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطى ) . رواه النسائي .
11 - عن عمير بن سعد قال : كان ابن مسعود يعلمنا التشهد في الصلاة ثم يقول : إذا فرغ أحدكم من التشهد فليقل اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم ، وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم ، اللهم إني أسألك من خير ما سألك منه عبادك الصالحون ، وأعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبادك الصالحون ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة وقنا عذاب النار . قال : لم يدع نبي ولا صالح بشئ إلا دخل في هذا الدعاء . رواه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور .

 ( 20 ) الاذكار والادعية بعد السلام :
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم جملة أذكار وأدعية بعد السلام ، يسن للمصلي أن يأتي بها ، ونحن نذكرها فيما يلي :
 1 - عن ثوبان رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثا وقال : ( أللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والاكرام ، رواه الجماعة إلا البخاري . وزاد مسلم : قال الوليد : فقلت للاوزاعي : كيف الاستغفار ؟ قال يقول : أستغفر الله ، أستغفر الله ، أستغفر الله .
 2 - وعن معاذ بن جبل : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيده يوما ثم قال : ( يا معاذ إني لاحبك ) فقال له معاذ : ( بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، وأنا أحبك ) قال : ( أوصيك يا معاذ ، لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم ، وقال صحيح على شرط الشيخين . وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أتحبون أن تجتهدوا في الدعاء ؟ قولوا : أللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) رواه أحمد بسند جيد .
( 1 ) ( اللهم أنت السلام ومنك السلام ) السلام الاول اسم من أسماء الله تعالى . ولا ثاني بمعنى السلامة . ( تباركت  كثر خيرك .
 3 - وعن عبد الله بن الزبير قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم في دبر الصلاة يقول : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شئ قدير ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، ولا نعبد إلا إياه ، أهل النعمة والفضل والثناء الحسن ، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ) . رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي .
 4 - وعن المغيرة بن شعبة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول دبر كل صلاة مكتوبة : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير : أللهم لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ) رواه أحمد والبخاري ومسلم .
 5 - وعن عقبة بن عامر قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذتين دبر كل صلاة . ولفظ أحمد وأبي داود بالمعوذات ( 1 ) رواه أحمد والبخاري ومسلم .
 6 - وعن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت ) رواه النسائي والطبراني . وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قرأ آية الكرسي في دبر الصلاة المكتوبة كان في ذمة الله (حفظه) إلى الصلاة الاخرى ) . رواه الطبراني بإسناد حسن .
 7 - وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ، وحمد الله ثلاثا وثلاثين وكبر الله ثلاثا وثلاثين تلك تسع وتسعون . ثم قال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير ، غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زيد البحر (الرغوة فوق الماء ، والمراد بالخطايا : الصغائر ) ) رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود .
 8 - وعن كعب بن عجرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة ثلاثا وثلاثين تسبيحة ، وثلاثا وثلاثين تحميد وأربعا وثلاثين تكبيرة ) رواه مسلم .
 9 - وعن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة : أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : ذهب أهل الدثور (المال الكثير) بالدرجات العلا والنعيم المقيم قال : وما ذاك ؟ قالوا : يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم ، وتسبقون من بعدكم ، ولا يكون أحد أفضل منكم ، إلا من صنع مثل ما صنعتم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : ( تسبحون الله وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة ) فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : سمع اخواننا أهل الاموال بما فعلنا ففعلوا مثله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) قال سمي : فحدثت بعض أهلي بهذا الحديث فقال : وهمت ، إنما قال لك تسبح ثلاثا وثلاثين ، وتحمد ثلاثا وثلاثين ، وتكبر أربعا وثلاثين . فرجعت إلى أبي صالح فقلت له ذلك ، فأخذ بيدي فقال : الله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، والله أكبر ، ( وسبحان الله ، والحمد لله ، حتى يبلغ من جميعهن ثلاثا وثلاثين ) متفق عليه .
 10 - وصح أيضا ، أن يسبح خمسا وعشرين ويحمد مثلها ويكبر مثلها ، ويقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير مثلها .
 11 - عن عبد الله بن عمرو قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( خصلتان من حافظ عليهما أدخلتاه الجنة وهما يسير ومن يعمل بهما قليل ، قالوا : وما هما يا رسول الله ؟ قال : ( أن تحمد الله ، وتكبره وتسبحه في دبر كل صلاة مكتوبة عشرا عشرا وإذا أتيت إلى مضجعك ، تسبح الله وتكبره وتحمده مائة . فتلك خمسون ومائتان باللسان ، وألفان (لان الحسنة بعشرة أمثالها) وخمسمائة في الميزان . فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة قالوا : كيف من يعمل بها قليل ؟ قال : يجئ أحدكم الشيطان في صلاته فيذكره حاجة كذا وكذا فلا يقولها ، ويأتيه عند منامه فينومه فلا يقولها ) قال : ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدهن بيده (أي يعدهن) رواه أبو داود والترمذي وقال : حسن صحيح .
 12 - وعن علي - وقد جاء هو وفاطمة - رضي الله عنهما يطلبان خادما يخفف عنهما بعض العمل ، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم عليهما ، ثم قال لهما : ( ألا أخبركما بخير مما سألتماني ؟ قالا : بلى . فقال : ( كلمات علمنيهن جبريل عليه السلام : تسبحان في دبر كل صلاة عشرا ، وتحمدان عشرا ، وتكبران عشرا ، وإذا أويتما إلى فراشكما ، فسبحا ثلاثين وثلاثين : وأحمدا ثلاثا وثلاثين ، وكبر أربعا وثلاثين ) وقال : فوالله ما تركتهن منذ علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
 13 - وعن عبد الرحمن بن غنم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من قال قبل أن ينصرف ويثني رجله من صلاة المغرب والصبح : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد بيده الخير يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير . عشر مرات كتب له بكل واحدة عشر حسنات ومحيت عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات ، وكانت حرزا من كل مكروه ، وحرزا من الشيطان الرجيم ، ولم يحل لذنب يدركه (أي يهلكه) إلا الشرك فكان من أفضل الناس عملا إلا رجلا يفضله . يقول أفضل مما قال ) رواه أحمد وروى الترمذي نحوه بدون ذكر ( بيده الخير ) .
 14 - وعن مسلم بن الحارث عن أبيه قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا صليت الصبح فقل قبل أن تكلم أحدا من الناس : اللهم أجرني من النار ، سبع مرات ، فإنك إن مت من يومك كتب الله عزوجل لك جورا من النار ، وإذا صليت المغرب فقل قبل أن تكلم أحدا من الناس : اللهم إني أسألك الجنة : أللهم أجرني من النار ، سبع مرات ، فإنك إن مت من ليلتك كتب الله عزوجل لك جوارا من النار ) ، رواه أحمد وأبو داود .
 15 - وروى أبو حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند انصرافه من صلاته : ( اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري ، وأصلح دنياي التي جعلت فيها معاشي : اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وأعوذ بعفوك من نقمتك . وأعوذ بك منك ، لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد ، منك الجد ) .
 16 - وروى البخاري والترمذي : أن سعد بن أبي وقاص كان يعلم بنيه هؤلاء الكلمات ، كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة . ويقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بهن دبر الصلاة : ( اللهم إني أعوذ بك من البخل وأعوذ بك من الجبن ، وأعوذ بك أن أرد الى أرذل العمر ، وأعوذ بك من فتنة الدنيا ، وأعوذ بك من عذاب القبر ) .
 17 - وروى أبو داود والحاكم : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول دبر كل صلاة : ( اللهم عافني في بدني ، اللهم عافني في سمعي ، اللهم عافني في بصري . اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، لا إله إلا أنت ) .
18 - وروى الامام أحمد وأبو داود والنسائي ، بسند فيه داوند الطفاوي ، وهو ضعيف ، عن زيد بن أرقم : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول دبر صلاته : ( اللهم ربنا ورب كل شئ أنا شهيد أنك الرب وحدك لا شريك لك ، اللهم ربنا ورب كل شئ ، أنا شهيد أن محمدا عبدك رسولك : اللهم ربنا ورب كل شئ ، أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة : اللهم ربنا ورب كل شئ ، اجعلني مخلصا لك وأهلي (أي وأهلي مخلصين لك) في كل ساعة من الدنيا والاخرة ، يا ذا الجلال والاكرام ، اسمع واستجب ، الله الاكبر الاكبر ، نور السموات والارض ، الله الاكبر الاكبر ، حسبي الله ونعم الوكيل . الله الاكبر الاكبر ) . 19 - وروى أحمد وابن شيبة وابن ماجه ، بسند فيه مجهول ، عن أم سلمة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا صلى الصبح حين يسلم : ( اللهم إني أسألك علما نافعا ، ورزقا واسعا ، وعملا متقبلا ) . 

No comments:

Post a Comment

المواضيع الاكثر زيارة

Total Pageviews