بحث في فقه السنة والويب

Thursday, June 16, 2016

شُكْرُ المعروفِ

شُكْرُ المعروفِ
1ـ روى أبو داود، والنسائي بسند صحيح، عن عبد اللّه بن عمر _ رضي اللّه عنهما _ أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "مَن استَعاذَ باللّهِ فأعِيذوه، ومَن سألكم باللّهِ، فأعطوه ومن استَجارَ باللّهِ، فأجيرُوه، ومَن أتى إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا، فادعوا له حتى تعلموا أنْ قد كافأتموه"(1).
2ـ وروى أحمد، عن الأشعث بن قيس - بسند رواته ثقات - أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يشكر اللّهَ، من لا يشكرُ الناس"(2).
3ـ وروى الترمذي وحسنه، عن أسامة بن زيد _ رضي اللّه عنهما _ أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "مَن صنِع معه معروفٌ، فقال لفاعِله: جزاك اللّه خيراً. فقد أبلغَ في الثّناء"(3).






(1) أبو داود: كتاب الزكاة - باب عطية من سأل باللّه، برقم (1672) (2 / 310)، والنسائي: كتاب الزكاة - باب من سأل باللّه، برقم (2567) (5 / 82)، وأحمد في "المسند" (2 / 68، 95، 96، 99، 127).
(2) أبو داود: كتاب الأدب - باب في شكر المعروف، برقم (4811) (5 / 157)، والترمذي: كتاب البر والصلة _ باب في الشكر لمن أحسن إليك، برقم (1954، 1955)، (4 / 338)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وأحمد بلفظه في "المسند" (5 / 211، 212)، وعن الأشعث بن قيس (2 / 295، 303، 388، 461) عن أبي هريرة.
(3) الترمذي: كتاب البر والصلة - باب ما جاء في المتشبِّع بما لم يُعْطه، برقم (2035) (4 / 380)، وقال: هذا حديث حسن جيِّد غريب..

الصّدقةُ الجاريةُ

الصّدقةُ الجاريةُ
روى أحمد، ومسلم، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الإنسان، انقطع عمله إلا من ثلاثة؛ صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له"(1).





(1) مسلم: كتاب الوصية - باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم (14) (3 / 1255)، والنسائي: كتاب الوصايا - باب فضل الصدقة عن الميت، برقم (3651) (6 / 251)، والترمذي: كتاب الأحكام - باب في الوقف، برقم (1376) (3 / 651)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داود: كتاب الوصايا - باب ما جاء في الصدقة عن الميت، برقم (2880) (3 / 300) وأحمد في "المسند" (2 / 372)..

الصّدقةُ على الحيوانِ

الصّدقةُ على الحيوانِ
1ـ روى البخاري، ومسلم، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل يمشي بطريق، اشتد عليه العطش، فوجد بئراً، فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا كلب يَلهَثُ الثرى؛ من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلبُ من العطش، مثلَ الذي كان قد بلغ مني. فنزل البئر، فملأ خفه ماء، ثم أمسكه بِفِيه، حتى رَقِيَ(1) فسقى الكلبَ، فشكر اللّه له، فغفر له". قالوا: يا رسول اللّه، إن لنا في البهائم أجراً ؟ فقال: "في كل كبِدِ رَطبةٍ أجر"(2).
2ـ ورويا، أنه صلى الله عليه وسلم قال: "بينما كلب يُطِيفُ بِرَكيّةٍ، قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بغيّ من بغايا بني إسرائيل، فنزعت مُوقها(3)، فاستقت له به، فسقتْه، فغُفرَ لها به"(4).





(1) "رقي": أي؛ صعد (2) البخاري: كتاب المساقاة، باب فضل سقي الماء (3 / 146، 147)، وكتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم (8 / 11)، وكتاب المظالم، باب الآبار على الطريق إذا لم يتأذى بها، ومسلم: كتاب السلام، باب فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها، برقم (153) (4 / 1761)، وأبو داود: كتاب الجهاد _ باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم، ما جاء في الطعام والشراب، برقـم (23) (2 / 929، 930)، وأحمد في "المسند" (2 / 375، 517).
(3) "الموق": أي؛ الخف.
(4) البخاري: كتاب الأنبياء - باب حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب... (4 / 211)، ومسلم: كتاب السلام - باب فضل ساقي البهائم المحترمة وإطعامها، برقم (155) (4 / 1761)، وأحمد بمعناه (2 / 507)..

جوازُ الصّدقةِ على الذِّمِّيِّ والحربيِّ

جوازُ الصّدقةِ على الذِّمِّيِّ والحربيِّ
تجوز الصدقة عَلى الذمي والحربي، ويُثاب المسلم على ذلك، وقد أثنى الله على قوم، فقال: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً " [الإنسان: 8]. والأسير حربي.
وقال تعالى: " لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " [الممتحنة: 8].
وعن أسماء بنت أبي بكر، قالت: قدِمتْ عَليَّ أمي، وهي مُشْرِكة، فقلتُ: يا رسول الله، إن أُمِّي قد مت عَلي وهي راغبة، أفأصِلُهَا ؟ قال: "نعم، صِلي أمّك"(1).





(1) سبق تخريجه.

جوازُ التصدقِ بكلِّ المالِ

جوازُ التصدقِ بكلِّ المالِ
يجوز للقوي المكتسب أن يتصدق بجميع ماله(1).
قال عمر: أمَرنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبقُ أبا بكر، إن(2) سبقته يوماً. فجئت بنصف مالي، فقال رسول اللّهصلى الله عليه وسلم: "ما أبقيْتَ لأهلك؟". فقلت: مثله. وأتى أبو بكر بكل ماله، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "ما أبقيْتَ لأهلك ؟". فقال: أبقيتُ لهم اللّهَ ورسوله. فقلت: لا أسابقكَ إلى شيء أبداً(3). رواه أبو داود، والترمذي وصححه.
وقد اشترط العلماء لجواز التصدق بجميع المال، أن يكون المتصدِّق قوياً مكتسباً، صابراً، غير مدين، ليس عنده من يجب الإنفاق عليه، فإذا لم تتوفر هذه الشروط، فإنه حينئذ يكره؛ فعن جابر _ رضي اللّه عنه _ قال: بينما نحن عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، إذ جاء رجل بمثل بيضة من ذهب، فقال: يا رسول الله، أصبتُ هذه من معدِن فخذها، فهي صدقة ما أملك غيرها. فأعرض عنه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه من قبل ركنه الأيمن، فقال مثل ذلك، فأعرض عنه، ثم أتاه من قِبَلِ ركنه الأيسر(4)، فأعرض رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه من خلفه، فأخذها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فحذفه(5) بها، فلو أصابته لأوجعته، أو عقرته(6)، ثم قال: "يأتي أحدكم بماله كله يتصدق به، ثم يجلس بعد ذلك يتكفف(7) الناس، إنما الصدقة عن ظهر غنى"(8). رواه أبو داود، والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم، وفيه محمد بن إسحق.





(1) قال أبو جعفر الطبري: ومع جوازه، فالمستحب ألا يفعل، وأن يقتصر على الثلث.
(2) إن حرف نفي: أي؛ ما سبقته.
(3) أبو داود: كتاب الزكاة - باب في الرخصة في ذلك، برقم (1678) (2 / 313)، والترمذي: كتاب المناقب _ باب في مناقب أبي بكر، وعمر _ رضي اللّه عنهما _ كليهما، برقم (3675) (5 / 614، 615)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والدارمي: كتاب الزكاة - باب الرجل يتصدق بجميع ما عنده (1 / 391، 392).
(4) ركنه: أي؛ جانبه. (5) فحذفه: أي؛ رماه بها.
(6) عقرته: أي؛ جرحته. (7) يتكفف: أي؛ يمد كفه.
(8) أبو داود: كتاب الزكاة - باب الرجل يخرج من ماله، برقم (1673) (2 / 310، 311)، والحاكم: كتاب الزكاة - باب خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى (1 / 413)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. والدارمي: كتاب الزكاة - باب النهي عن الصدقة بجميع ما عند الرجل (1 / 391)، والحديث ضعيف، لكن آخره صحيح. إرواء الغليل (3 / 316)..

صدقة المرأة من مال زوجها

صدقة المرأة من مال زوجها
يجوز للمرأة أن تتصدق من بيت زوجها إذا علمت رضاه، ويحرم عليها، إذا لم تعلم؛ فعن عائشة، قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها، غير مُفسِدَةٍ، كان لها أجرُها بما أنفقت، ولزوجها أجرُه بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجرَ بعض شيئاً"(1). رواه البخاري.
وعن أبي أُمامة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، في خطبة عام حجة الوداع "لا تُنفق المرأة شيئاً من بيت زوجها، إلا بإذن زوجها". قيل: يا رسول اللّه، ولا الطعام؟ قال: "ذلك أفضل أموالنا"(2). رواه الترمذي وحسنه.
ويستثنى من ذلك النزرُ اليسير الذي جرى به العرف، فإنه يجوز لها أن تتصدق به، دون أن تستأذنه؛ فعن أسماء بنت أبي بكر، أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن الزبير رجل شديد، ويأتيني المسكينُ، فأتصدَّقُ عليه من بيته بغير إذنه فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "ارضَخِي(3)، ولا تُوعِي(4) فيوعِيَ الله عليك"(5). رواه أحمد، والبخاري، ومسلم.






(1) البخاري: كتاب الزكاة _ باب من أمر خادمه بالصدقة ولم يُناوِلْ بنفسه... (2 / 139)، وباب أجر الخادم إذا تصدق بأمر صاحبه، غير مفسد (2 / 141)، وباب أجر المرأة إذا تصدقت، أو أطعمت من بيت زوجها، غير مفسدة (2 / 142)، ومسلم: كتاب الزكاة - باب أجر الخازن الأمين، والمرأة إذا تصدقت من بيت زوجها غير مفسدة، برقم (80، 81) (2 / 710)، وأبو داود: كتاب الزكاة - باب المرأة تتصدق من بيت زوجها، برقم (1685) (2 / 315)، والترمذي: كتـاب الزكـاة - بـاب فـي نفقـة المـرأة من بيت زوجها، برقم (671) (3 / 49)، وقال: هذا حديث حسن، وابن ماجه: كتاب التجارات - باب ما للمرأة من مال زوجها، برقم (2294) (2 / 769، 770)، وأحمد في "المسند" (6 / 44، 99، 278).
(2) الترمذي: كتاب الزكاة - باب في نفقة المرأة من بيت زوجها، برقم (670)، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن (3 / 48، 49)، وأبو داود: كتاب البيوع - باب في تضمين العارية، رقم (3565) (3 / 824)، وابن ماجه: كتاب التجارات - باب ما للمرأة من بيت زوجها، برقم (2295) (2 / 770).
(3) "ارضخي": أي؛ أعطي القليل، الذي جرت به العادة.
(4) "لا توعي": أي؛ لا تدخري المال في الوعاء، فيمنعه الله عنك.
(5) البخاري: كتاب الزكاة _ باب الصدقة فيما استطاع (2 / 141)، ومسلم: كتاب الزكاة _ باب الحث في الإنفاق، وكراهة الإحصاء، برقم (89) (2 / 714)، وأحمد في "المسند" (6 / 345، 346، 353، 354).

إبطالُ الصّدقَةِ

إبطالُ الصّدقَةِ
يحرم أن يمن المتصدق على من تصدق عليه، أو يؤذيه، أو يرائي بصدقته؛ لقول الله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَْذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ " [البقرة:264].
وقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم". قال أبو ذر _ رضي اللّه عنه _: خابوا وخسروا، من هم يا رسول اللّه ؟ قال: "المسبل(1)، والمنّان(2)، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب"(3).




(1) "المسبل": أي؛ الذي يجر ثوبه خيلاء.
(2) المن؛ ذكر الصدقة، والتحدث بها، أو استخدام المتصدق عليه، أو التكبر عليه؛ لأجل إعطائه، والأذى؛ إظهار الصدقة؛ قصد إيلام المتصدق عليه، أو توبيخه.
(3) مسلم: كتاب الإيمان - باب غلظ تحريم إسبال الإزار، والمن بالعطية،...، برقم (171) (1 / 102) وأبو داود: كتاب اللباس - باب ما جاء في إسبال الإزار، برقم (4087) (4 / 346)، والترمذي: كتاب البيوع - باب فيمن حلف على سلعة كاذباً، رقم (1211) (3 / 507)، والنسائي: كتاب الزينة - باب إسبال الإزار، رقم (5333) (8 / 208)، وكتاب البيوع - باب المنفق سلعته بالحلف الكاذب، برقم (4458) (7 / 245)، وكتاب الزكاة - باب المنان بما أعطى، برقم (2563) (5 / 81)، وابن ماجه: كتاب التجارات - باب في كراهيـة الأيَْمـان فـي الشـراء والبيـع، برقـم (2208)، (2 / 744، 745) وأحمد فـي "المسنــد" (5 / 158، 162، 168) (2 / 744، 745)..


التّصدقُ بالحرامِ

التّصدقُ بالحرامِ
لا يقبل الله الصدقة، إذا كانت من حرام.
1ـ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل، إلا طيباً، وإن الله _ تعالى _ أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال، عز وجل: " يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ" [المؤمنون: 51]، وقال: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ " [ البقرة: 172]. ثم ذكر الرجل يُطيل السفرَ، أشْعَثَ، أغبَرَ، يَمُدُّ يديه إلى السماء: يا رب، يا رب. ومَطعمُه حرام، ومشربه حرام، وملبسُه حرام، وغُذِي بالحرام، فأنى يُستجابُ له؟!"(1) رواه مسلم.
2ـ وقال صلى الله عليه وسلم: " من تصدق بعدل (2) تمرة، من كسب طيب، ولا يقبل الله، إلا الطيب، فإن الله _ تعالى _ يتقبلها بيمينه، ثم يُربِّيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل"(3). رواه البخاري.





(1) مسلم: كتاب الزكاة - باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، رقم (65) (2 / 703)، والترمذي: كتاب تفسير القرآن - باب ومن سورة البقرة، رقم (2989) (5 / 220)، وأحمد في "المسند" (2 / 328)، والدارمي: كتاب الرقاق - باب في أكل الطيب، رقم (2720) (2 / 210).
(2) "العدل": بكسر العين، معناه في اللغة: المثل، والمراد به هنا ما يساوي قيمة تمرة.
(3) البخاري: كتاب الزكاة - باب لا يقبل اللّه صدقة من غلول، إلا من كسب طيب (2 / 134)، وكتاب التوحيد - باب قول اللّه تعالى: "تعرج الملائكة والروح إِليه ,,,,* (9 / 154)، ومسلم، بألفاظ متقاربة: كتاب الزكاة - باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، برقم (63، 64) (2 / 702)، والترمذي: كتـاب الزكـاة - باب ما جاء في فضل الصدقة، برقـم (661) (3 / 40) وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه: كتاب الزكاة - باب فضل الصدقة، برقم (1842)، (1 / 590)، والنسائي: كتاب الزكاة _ باب الصدقة من غلول، برقم (2525) (5 / 57، 58)، وأحمد في "المسند" (2 / 331، 381، 382، 418، 419، 431، 471، 538، 541) (6 / 251)، والموطـأ: كتـاب الصدقـة - بـاب الترغيب في الصدقة، برقم (1) (2 / 995)، والدارمي: كتاب الزكاة - باب في فضل الصدقة (1 / 395)، والبيهقي: كتاب الزكاة - باب الصدقة من المال الحلال (4 / 191).

أولى النَّـاسِ بالصّدقَـةِ

أولى النَّـاسِ بالصّدقَـةِ
أولى الناس بالصدقة أولاد المتصدق، وأهله وأقاربه، ولا يجوز التصدق على أجنبي، وهو محتاج إلى ما يتصدق به لنفقته، ونفقة عياله؛
 1ـ فعن جابر _ رضي اللّه عنه _ أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان أحدكم فقيراً، فليبدأ بنفسه، وإن كان فضل فعلى عياله، وإن كان فضل فعلى ذوي قرابته". أو قال: "ذوي رحمه، وإن كان فضل فهاهنا، وهاهنا"(1). رواه أحمد، ومسلم.
2ـ وقال صلى الله عليه وسلم: "تصدقوا". قال رجل: عندي دينار. قال: "تصدق به على نفسك". قال: عندي دينار آخر. قال: "تصدق به على زوجتك". قال: عندي دينار آخر. قال: "تصدق به على ولدك". قال: عندي دينار آخر. قال: "تصدق به على خادمك". قال: عندي دينار آخر. قال: "أنت به أبصر"(2). رواه أبو داود، والنسائي، والحاكم وصححه.
3ـ وقال _ عليه الصلاة والسلام _: "كفى بالمرء إثماً، أن يضيع من يقوت"(3). رواه مسلم، وابو داود.
4ـ وقال صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصدقةِ، الصدقةُ على ذي الرحم الكاشح(4)"(5). رواه الطبراني، والحاكم وصححه.






(1) أبو داود: كتاب العتق - باب في بيع المدبر، برقم (3957) (4 / 266)، وأحمد في "المسند" (3 / 305)، والنسائي بمعناه: كتاب الزكاة - باب أي الصدقة أفضل، برقم (2546) (5 / 69، 70).
(2) أبو داود: كتاب الزكاة - باب في صلة الرحم، رقم (1691) (2 / 320)، والنسائي: كتاب الزكاة - باب الصدقة عن ظهر غنى، وتفسير ذلك، رقم (2535) (5 / 62)، وأحمد في "المسند" (2 / 2511، 47).
(3) مسلم: كتاب الزكاة - باب فضل النفقة على العيال والمملوك، وإثم من ضيعهم... إلخ بلفظ: "كفى بالمرء إثماً أن يَحْبِسَ عمن يملك قوتَه". رقم (40) (2 / 692)، وأبو داود: كتاب الزكاة - باب في صلة الرحم، رقم (1692) (2 / 321)، وأحمد في "المسند" (2 / 160، 193 _ 195).
(4) "الكاشح": أي؛ الذي يضمر العداوة.
(5) الحاكم في "المستدرك": كتاب الزكاة - باب أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح (1 / 406)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي..

أنواعُ الصَّدقاتِ

أنواعُ الصَّدقاتِ
وليست الصدقة على نوع معين من أعمال البر، بل القاعدة العامة، أن كل معروف صدقة، وإليك بعض ما جاء في ذلك: 1ـ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "على كل مسلم صدقة". فقالوا: يا نبي الله، فمن لم يجد ؟ قال: "يعمل بيده فينفع نفسه، ويتصدق". قالوا: فإن لم يجد ؟ قال: "يعين ذا الحاجة الملهوف(1) ". قالوا: فإن لم يجد ؟ قال: "فليعمل بالمعروف، ويمسك عن الشر؛ فإنها(2) له صدقة"(3). رواه البخاري، وغيره.
2ـ وقال صلى الله عليه وسلم: "كل نفس كتب عليها الصدقة كل يوم طلعت فيه الشمس، فمن ذلك أن يعدل(4) بين الاثنين صدقة، وأن يعين الرجل على دابته، فيحمله عليها صدقة، ويرفع متاعه عليها صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة يمشي إلى الصلاة صدقة"(5). رواه أحمد، وغيره.
3ـ وعن أبي ذر الغفاري _ رضي اللّه عنه _ قال(6): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على كل نفس، في كل يوم طلعت فيه الشمس، صدقة منه على نفسه". قلت: يا رسول الله، من أين أتصدق، وليس لنا أموال ؟ قال: "لأن من أبواب الصدقة التكبير، وسبحان الله، والحمد للّه، ولا إله إلا الله، وأستغفر اللّه، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتعزل الشوك عن طريق الناس، والعظم والحجر، وتهدي الأعمى، وتسمع الأصم والأبكم، حتى يفقه، وتدل المستدل على حاجة له قد علمت مكانها، وتسعى بشدة ساقيك إلى اللهفان المستغيث، وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف، كل ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك، ولك في جماع زوجتك أجر"(7). الحديث رواه أحمد واللفظ له، ومعناه أيضاً في مسلم.
وعند مسلم، قالوا: يا رسول اللّه، أيأتي أحدنا شهوته، ويكون له فيها أجر ؟ قال: "أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه فيها وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال، كان له أجر"(8).
4ـ وعن أبي ذر _ رضي اللّه عنه _ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس من نفس ابن آدم، إلا عليها صدقة في كل يوم طلعت فيه الشمس". قيل: يا رسول الله، من أين لنا صدقة نتصدق بها كل يوم ؟ فقال: "إن أبواب الخير لكثيرة؛ التسبيح، والتحميد، والتكبير، والتهليل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتميط الأذى عن الطريق، وتسمع الأصم، وتهدي الأعمى، وتدل المستدل على حاجته، وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث، وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف، فهذا كله صدقة منك على نفسك"(9). رواه ابن حبان في "صحيحه"، والبيهقي مختصراً، وزاد في رواية: "وتبسمك في وجه أخيك صدقة، وإماطتك الحجر، والشوكة، والعظم، عن طريق الناس صدقة، وهديك الرجل في أرض الضالة صدقة"(10).
5ـ وقال: "من استطاع منكم أن يتقي النار، فليتصدق ولو بشق تمرة(11)، فمن لم يجد، فبكلمة طيبة"(12). رواه أحمد، ومسلم.
6ـ وقال: "إن الله _ عز وجل _ يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضت، فلم تعدني. قال: يا رب، كيف أعودك، وأنت رب العالمين ؟! قال: أما علمت، أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما لو عدته، لوجدتني عنده. يا ابن آدم، استطعمتك، فلم تطعمني. قال: يا رب، كيف أطعمك، وأنت رب العالمين ؟! قال: أما علمت، أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت، أنك لو أطعمته، لوجدت ذلك عندي. يا ابن آدم، استسقيتك، فلم تسقني. قال: يا رب، كيف أسقيك، وأنت رب العالمين ؟! قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته، لوجدت ذلك عندي"(13). رواه مسلم.
7ـ وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يغرس مسلم غرساً، ولا يزرع زرعاً، فيأكل منه إنسان، ولا دابة ولا شيء، إلا كانت له صدقة"(14). رواه البخاري.
8ـ وقال _ عليه الصلاة والسلام _: "كل معروف صدقة، ومن المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك في إنائه"(15). رواه أحمد، والترمذي وصححه.





(1) "الملهوف": أي؛ المستغيث؛ سواء أكان مظلوماً، أم عاجزاً. (2) أي؛ أن هذه الخصلة.
(3) البخاري: كتاب وجوب الزكاة -باب على كل مسلم صدقة، فمن لم يجد فليعمل بالمعروف (2 / 143)، وكتاب الأدب - باب كل معروف صدقة (8 / 13)، ومسلم: كتاب الزكاة - باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، برقم (55) (2 / 699)، والنسائي: كتاب الزكاة - باب صدقة العبد، برقم (2538) (5 / 64). (4) "يعدل": أي؛ يصلح بين متخاصمين بالعدل.
(5) البخاري: كتـاب الجهـاد والسيـر - بـاب من أخـذ بالرِّكـاب ونحـوه (4 / 68)، ومسلم: كتـاب الزكـاة - بـاب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نـوع من المعـروف، برقم (56) (2 / 699)، وأحمد في "المسند" (2 / 316، 350).
(6) ما بين القوسين ليس في مسند الإمام أحمد، وإنما آثرنا إثباته هنا؛ لأن ما بعده إلى قوله: "على نفسه". في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
(7) مسلم بمعناه - كتاب الزكاة - باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، برقم (52، 53) (2 / 697) وأحمد في "المسند" (5 / 168)، وتاريخ ابن عساكر (10 / 105).
(8) مسلم: كتـاب الزكـاة - بـاب بيان أن اسـم الصدقـة يقـع على كـل نـوع من المعـروف، برقـم (53) (2 / 697، 698)، وأحمد في "المسند" (5 / 167).
(9) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: كتاب الزكاة - باب ما يكون له حكم الصدقة (ذكر الخصال التي تقوم لمعدم المال مقام الصدقة لباذلها)، برقم (3368) (5 / 160).
(10) الترمذي: كتاب البر والصلة - باب ما جاء في صنائع المعروف، برقم (1956) (4 / 340)، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.
(11) "شق تمرة": أي؛ نصف تمرة. وهي تفيد، أنه لا ينبغي أن يستقل الإنسان الصدقة.
(12) البخاري: كتاب الزكاة - باب الصدقـة قبل الرد (2 / 135)، ومسلم: كتـاب الزكـاة - بـاب الحث على الصدقة، ولو بشق تمرة، أو كلمة طيبة، وأنها حجاب من النار، برقم (66، 68، 69) (2 / 704)، وأحمد في "المسند" مطولاً، ومختصراً (1 / 388، 446، 4 / 256، 258، 259).
(13) مسلم: كتاب البر والصلة والآداب - باب فضل عيادة المريض، برقم (43) (4 / 1990).
(14) البخاري: كتاب الأدب - باب رحمة الناس والبهائم (8 / 12)، وكتاب الحرث والمزارعة - باب فضل الزرع والغرس إذا أُكِلَ منه... (3 / 135)، ومسلم: كتـاب المساقـاة - باب فضل الغرس والزرع، برقم (8) (3 / 1188)، والدارمي: كتاب البيـوع - باب في فضل الغرس (2 / 268)، وأحمد في "المسند" بألفاظ متقاربة (3 / 147، 192، 243).
(15) الترمذي: كتـاب البـر والصلة - بـاب ما جـاء في طلاقـة الوجه..، برقم (1970)، (4 / 374)، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن. وأحمد في "المسند" (3 / 344، 360)..

هـل فـي المـال حــق ســوى الزكـــاة ؟

هـل فـي المـال حــق ســوى الزكـــاة ؟
ينظر الإسلام إلى المال نظرةً واقعيةً، فهو في نظره عصَبُ الحياة، وقِوام نظام الأفراد والجماعات؛ قال اللّه تعالى: " وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً " [النساء:5]. وهذا يقتضي أن يوزع توزيعاً يكفل لكل فرد كفايته من الغذاء، والكساء، والمسكن، وسائر الحاجات الأصلية، التي لا غنى عنها، حتى لا يبقى فرد مضيع، لا قوام له. وأمثل وسيلة وأفضلها؛ لتوزيع المال وللحصول على الكفاية وسيلة الزكاة، فهي في الوقت الذي يضيق بها الغني، ترفع مستوى الفقير إلى حد الكفاية، وتجنبه شظف العيش، وألم الحرمان.
والزكاة ليست منَّة يهبها الغني للفقير، وإنما هي حق استودعه الله يد الغني؛ ليؤديه لأهله، وليوزعه على مستحقيه، ومن ثم تتقرر هذه الحقيقة الكبرى، وهي أن المال ليس وقفاً على الأغنياء دون غيرهم، وإنما المال للجميع، أي؛ للأغنياء، والفقراء على السواء.
يوضح هذا قول اللّه تعالى، في حكمة تقسيم الفيء: " كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَْغْنِيَاءِ مِنكُمْ " [ الحشر:7]. أي؛ هذا التقسيم؛ لئلا يكون المال متداولاً بين الأغنياء، بل يجب توزيعه على الأغنياء والفقراء.
والزكاة هي الحق الواجب في المال، متى قامت بحاجة الفقراء، وسدت خلة المعْوزِين، وكَفَت البائسين، وأطعمتهم من جوع، وأمنتهم من خوف.
فإذا لم تكفِ الزكاة، ولم تف بحاجة المحتاجين، وجب في المال حق آخر سوى الزكاة، وهذا الحق لا يتقيدُ، ولا يتحدد إلا بالكفاية، فيؤخذ من مال الأغنياء القدر، الذي يقوم بكفاية الفقراء.
قال القرطبي: قوله تعالى: " وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ *[ البقرة: 177]. استدل به من قال: إن في المال حقاً سوى الزكاة، وبها كمال البرِّ. وقيل: المراد، الزكاة المفروضة. والأول أصح؛ لما أخرجه الدارقطني، عن فاطمة بنت قيس، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في المال حقاً، سوى الزكاة". ثم تلا هذه الآية: " لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ " [البقرة: 177]. إلى آخرها(1).
وأخرجه ابن ماجه في "سننه"، والترمذي في "جامعه"، وقال: هذا حديث ليس إسناده بذاك، وأبو حمزة، ميمون الأعور، يضعف، وروى بيان، وإسماعيل بن سالم هذا الحديث، عن الشعبي من قوله، وهو أصح.
قلت: والحديث، وإن كان فيه مقال، فقد دلَّ على صحته معنى ما في هذه الآية نفسها من قوله تعالى: " وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ" [ البقرة: 177]. فذكر الزكاة مع الصلاة، وذلك دليل على أن المراد بقوله: " وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ " [ البقرة: 177]. ليس الزكاة المفروضة، فإن ذلك يكون تكراراً، واللّه أعلم.

واتفق العلماء على أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة، بعد أداء الزكاة، فإنه يجب صَرْفُ المال إليها؛ قال مالك، رحمه اللّه: يجب على الناس فداء أسراهم، وإن استغرق ذلك أموالهم. وهذا إجماع أيضاً، وهو يقوي ما اخترناه، وبالله التوفيق.
وفي "تفسير المنار"، في قوله تعالى: " وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ " [البقرة: 177]. قال: أي؛ وأعطى المال؛ لأجل حُبه تعالى، أو على حبه إياه، أي؛ المال.
قال الأستاذ الإمام(2): وهذا الإيتاء غير إيتاء الزكاة الآتي، وهو ركن من أركان البر، وواجب كالزكاة، وذلك حيث تعرض الحاجة إلى البذل، في غير وقت أداء الزكاة، بأن يرى الواجد مضطراً بعد أداء الزكاة، أو قبل تمام الحول، وهو لا يشترط فيه نصاب معيّنٌ، بل هو على حسب الاستطاعة.
فإذا كان لا يملك إلا رغيفاً، ورأى مضطراً إليه، في حال استغنائه عنه، بأن لم يكن محتاجاً إليه لنفسه، أو لمن تجب عليه نفقته، وجب عليه بذله.
وليس المضطر وحده هو الذي له الحق في ذلك، بل أمر اللّه _ تعالى _ المؤمن أن يعطي من غير الزكاة: " ذَوِي الْقُرْبَى " [ البقرة: 177]. وهم أحق الناس بالبر والصلة، فإن الإنسان إذا احتاج - وفي أقاربه غني - فإن نفسه تتوجه إليه بعاطفة الرحم.
ومن المغروز في الفطرة، أن الإنسان يألم لفاقة ذوي رحمه وعُدْمِهم، أشد مما يألم لفاقة غيرهم؛ فإنه يهون بهوانهم، ويعتز بعزَّتهم، فمن قطع الرحم ورضي بأن ينعم، وذوو قرباه بائسون، فهو بريء من الفطرة والدين، وبعيد من الخير والبر، ومن كان أقرب رحماً، كان حقه آكد، وصلته أفضل.
" وَالْيَتَامَى * فإنه لموت كافلهم، تتعلق كفالتهم بأهل الوجد واليسار من المسلمين؛ كيلا تسوء حالهم، وتفسد تربيتهم، فيكونوا مصاباً على أنفسهم وعلى الناس.
" وَالْمَسَاكِينَ * فإنهم لَمّا قعد بهم العجز عن كسب ما يكفيهم، وسكنت نفوسهم للرضا بالقليل عن مدِّ كف الذليل، وجبت مساعدتهم، ومواساتهم على المستطيع.
" وَابْنَ السَّبِيلِ * المنقطع في السفر، لا يتصل بأهل ولا قرابة، كأنَّ السبيل أبوه وأمه، ورحمه وأهله، وهذا التعبير بمكان من اللطف، لا يرتقي إليه سواه.
وفي الأمر بمواساته، وإعانته في سفره، ترغيب من الشرع في السياحة، والضرب في الأرض.
"وَالسَّائِلِينَ * الذين تدفعهم الحاجة العارضة إلى تكفف الناس، وأخرهم؛ لأنهم يسألون، فيعطيهم هذا وهذا، وقد يسأل الإنسان لمواساة غيره، والسؤل محرم شرعاً، إلا لضرورة، يجب على السائل ألا يتعداها.
" وَفِي الرِّقَابِ * أي؛ في تحريرها وعتقها، وهو يشمل ابتياع الأرقاء وعتقهم، وإعانة المكاتبين على أداء نجومهم(3)، ومساعدة الأسرى على الافتداء.
وفي جعل هذا النوع من البذل حقاً واجباً في أموال المسلمين، دليل على رغبة الشريعة في فكِّ الرِّقاب، واعتبارها أن الإنسان خلق؛ ليكون حراً، إلا في أحوال عارضة، تقضي المصلحة العامة فيها، أن يكون الأسير رقيقاً، وأخر هذا عن كل ما سبقه؛ لأن الحاجة في تلك الأصناف قد تكون لحفظ الحياة، وحاجة الرقيق إلى الحرية حاجة إلى الكمال.
ومشروعية البذل لهذه الأصناف، من غير مال الزكاة، لا تتقيد بزمن، ولا بامتلاك نصاب محدود، ولا يكون المبذول مقداراً معيناً، بالنسبة إلى ما يملك، ككونه عُشراً، أو ربع عُشر، أو عُشر العُشر مثلاً، وإنما هو أمر مطلق بالإحسان، موكول إلى أريحية المُعْطِي، وحالة المُعطى. ووقاية الإنسان المحترم من الهلاك والتلف، واجبة على من قدر عليها، وما زاد على ذلك، فلا تقدير له.


وقد أغفل الناس أكثر هذه الحقوق العامة، التي حث عليها الكتاب العزيز؛ لما فيها من الحياة الاشتراكية المعتدلة الشريفة، فلا يكادون يبذلون شيئاً لهؤلاء المحتاجين، إلا القليل النادر لبعض السائلين، وهم في هذا الزمان أقل الناس استحقاقاً؛ لأنهم اتخذوا السؤال حرفة، وأكثرهم واجدون، انتهى.
وقال ابن حزم: وفرضَ على الأغنياء من أهل كل بلد، أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك، إن لم تَقم الزكوات بهم، ولا في سائر أموال المسلمين بهم، فيُقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنهم من المطر، والصيف، والشمس، وعيون المارَّة.
برهان ذلك؛ قول اللّه تعالى: " وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ " [البقرة: 177]. وقال تعالى: " وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ (4) وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ (5) وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ " [النساء: 36].
فأوجب، تعالى، حق المسكين، وابن السبيل، وما ملكت اليمين من حق ذي القربى، وافترض الإحسان إلى الأبوين، وذي القربى والمساكين، والجار وما ملكت اليمين، والإحسان يقتضي كل ما ذكرنا، ومنعه إساءة بلا شك. وقال تعالى: " مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ " [ المدثر: 42 _ 44]. فقرن الله تعالى إطعام المسكين بوجوب الصلاة.
وعن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة، في غاية الصحة، أنه قال: "من لا يرحَمُ الناس، لا يرحمه اللّه"(6). ومن كان على فضلة(7)، ورأى المسلم أَخاه جائعاً، عُريان، ضائعاً، فلم يُغِثْه، فما رحمه بلا شك.
وعن عثمان النهدي، أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصِّديق، حدثه، أن أصحاب الصفة، كانوا ناساً فقراء، وأن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "من كان عنده طعام اثنين، فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة، فليذهب بخامس أو سادس"(8).
وعن ابن عمر _ رضي اللّه عنهما _ أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يُسلمه"(9). ومن تركه يجوع، ويعرى، وهو قادر على إطعامه، وكسوته، فقد أسلمه.
وعن أبي سعيد الخدري _ رضي الله عنه _ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كان معه فضْلُ ظهر، فليَعُدْ به على من لا ظهر له، ومن كان له فضلٌ مِنْ زاد، فليعُد به عَلى مَن لا زاد له". قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتى رأينا أنه لا حقَّ لأحدٍ منا في فضل(10). وهذ إجماع الصحابة _ رضي اللّه عنهم _ يخبر بذلك أبو سعيد الخدري _ رضي اللّه عنه _ وبكل ما في هذا الخبر نقول.
ومن طريق أبي موسى الأشعري _ رضي اللّه عنه _ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أطعِموا الجائع، وعُودُوا المريض، وفكوا العَاني(11)"(12). والنصوص من القرآن، والأحاديث الصحاح، في هذا كثيرة جداً.
وقال عمر _ رضي اللّه عنه _: لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لأخذت فضول أموال الأغنياء، فقسمتها على فقراء المهاجرين.
وهذا إسناد في غاية الصحة والجلالة. وقال علي _ رضي الله عنه _: إن الله _ تعالى _ فرض عَلَى الأغنياء في أموالهم، بقدر ما يكفي فقراءهم، فإن جاعوا أو عروا، وجهدوا فبمنع الأغنياء، وحق على اللّه _ تعالى _ أن يحاسبهم يوم القيامة، ويعذبهم(13).
وعن ابن عمر _ رضي الله عنهما _ أنه قال: في مالك حق، سوى الزكاة.

وعن عائشة أم المؤمنين والحسن بن علي، وابن عمر _ رضي الله عنهم _ أنهم قالوا كلهم، لمن سألهم: إن كنت تسأل في دم موجع، أو غرم مفظع، أو فقر مدقع، فقد وجب حقك. وصح عن أبي عبيدة بن الجراح، وثلثمائة من الصحابة _ رضي الله عنهم _ أن زادهم فني، فأمرهم أبو عُبيدة، فجمعوا أزوادهم في مِزْوَدَينِ، وجعل يقوتهم إياها على السواء. فهذا إجماع مقطوع به من الصحابة _ رضي اللّه عنهم _ ولا مخالف لهم منهم. وصح عن الشعبي، ومجاهد، وطاووس، وغيرهم، كلهم يقول: في المال حق، سوى الزكاة.
ثم قال: ولا يحل لمسلم اضطرَّ أن يأكل ميتة، أو لحم خنزير، وهو يجد طعاماً فيه فضلٌ عن صاحبه لمسلم أو لذمي؛ لأنه يجب فرضاً على صاحب الطعام إطعامُ الجائع.
فإذا كان ذلك كذلك، فليس بمضطر إلى الميتة، ولا إلى لحم الخنزير، وله أن يقاتل على ذلك، فإن قتل، فعلى قاتله القَودُُ(14)، وإن قتل المانع، فإلى لعنة اللّه؛ لأنه منع حقاً، وهو من الطائفة الباغية، قال تعالى: " فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُْخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ " [الحجرات: 9]. ومانع الحق باغ على أخيه، الذي له الحق.
وبهذا قاتل أبو بكر الصديق _ رضي اللّه عنه _ مانعي الزكاة، وبالله تعالى التوفيق. انتهى.
وإنما سردنا هذه النصوص، وأكثرنا القول في هذه المسألة؛ لِنبين مدى ما في الإسلام من رحمة وحنان، وأنه سبق المذاهب الحديثة سبقاً بعيداً، وأنها في جانبه، كالشمعة المضطربة، أمام الضوء الباهر، والشمس الهادية.




(1) الترمذي: كتاب الزكاة - باب ما جاء، أن في المال حقاً سوى الزكاة، برقم (659، 660) (3 / 39، 40)، وابن ماجه بلفظ: "ليس في المال حق، سوى الزكاة": كتاب الزكاة - باب ما أدى زكاته، فليس بكنز، برقم (1789) (1 / 570)، والدارقطني: كتاب الزكاة - باب تعجيل الصدقة، برقم (1) (2 / 125)..

(2) الشيخ محمد عبده.
(3) نجومهم: أي؛ الأقساط.

(4) "الجار الجنب": أي؛ الجار البعيد.
(5) "الصاحب بالجنب": أي؛ الزوجة.
(6) البخاري بنحوه: كتاب التوحيد -باب قول اللّه تبارك وتعالى: "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياًما تدعوا فله الأسماء الحسنى* (9 / 141)، ومسلم: كتاب الفضائل - باب رحمة النبي صلى الله عليه وسلم الصبيانَ والعيال وتواضعه وفضل ذلك، برقم (66) (4 / 1809)، والترمذي: كتاب البر والصلة والآداب - باب ما جاء في رحمة المسلمين، برقم (1922) (4 / 323)، وكتاب الزهد - باب ما جاء في الرياء والسمعة، برقم (2381) (4 / 591)، وأحمد في "المسند" (4 / 358، 360 _ 362، 365، 366).
(7) فضلة: أي؛ زيادة عن الحاجة.
(8) البخاري: كتاب مواقيت الصلاة وفضلها - باب السَّمَر مع الضيف والأهل (1 / 156).
(9) البخاري: كتاب المظالم -باب لا يظلم المسلمُ المسلمَ ولا يسلمه (3 / 168)، وكتاب الإكراه - باب يمين الرجل لصاحبه (9 / 28)، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب - باب تحريم الظلم، برقم (58)، (4/ 1996)، وأبو داود: كتاب الأدب، باب المؤاخاة، برقم (4893) (5 / 202)، والترمذي: كتاب الحدود - باب الستر على المسلم، برقم (1426)، وأحمد فى "المسند" (2 / 91).
(10) مسلم: كتاب اللقطة - باب استحباب المواساة بفضول المال، برقم (18) (3 / 1354)، وأبو داود: كتاب الزكاة - باب في حقوق المال، برقم (1663) (2 / 305)، وأحمد في "المسند" (3 / 34).
(11) "العاني": أي؛ الأسير.
(12) البخاري: كتـاب الجهـاد والسير - بـاب فكـاك الأسيـر، (4 / 83)، والدارمي، بدون: "وعودوا المريض" كتـاب السير - بـاب في فكـاك الأسيـر (2 / 223)، وأحمد في "المسند" (4 / 394، 406).
(13) تقدم الحديث في أول الكتاب، مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

(14) فعلى قاتله القود: أي؛ يقتل به..


صدقة التطوع

صدقــة التطــوع
دعا الإسلام إلى البذل، وحضَّ عليه في أسلوب يستهوي الأفئدة، ويبعث في النفس الأريحية، ويُثِير فيها معاني الخير، والبر، والإحسان، ومما يدل على ذلك من الآيات الكريمة: 1ـ قال اللّه _ تعالى: " مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " [البقرة: 261].
2ـ قال: " لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ * [آل عمران: 92].
3ـ وقال: " وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ " [الحديد: 7]. ومما يدل عليه من السنة النبوية: 1ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الصدقة تطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء"(1). رواه الترمذي وحسنه.
2ـ وروى كذلك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن صدقة المسلم تزيد في العمر، وتمنع ميتة السوء (2)، ويذهب الله بها الكبر والفخر "(3).
3ـ وقال صلى الله عليه وسلم: " ما من يوم يصبح العبادُ فيه، إلا وملَكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً. ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً"(4). رواه مسلم.
4ـ وقال صلى الله عليه وسلم: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والصدقة خفياً تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر، وكل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف"(5). رواه الطبراني في "الأوسط"، وسكت عليه المنذري.





(1) الترمذي: كتاب الزكاة - باب ما جاء في فضل الصدقة، برقم (664) وقال: حديث حسن غريب (3 / 43) وقال المحقق: لم يخرجه أحد، غير الترمذي.
(2) "ميتة السوء": أي؛ سوء العاقبة.
(3) الطبراني في "الكبير"، برقم (31) (17 / 22، 23)، وقال في "مجمع الزوائد": وفيه كثير بن عبد اللّه المزني، وهو ضعيف (3 / 110)، وانظر "تمام المنة"، (391).
(4) البخاري: كتاب الزكاة - باب قول اللّه تعالى: "فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى* (2 / 142)، ومسلم: كتاب الزكاة - باب في المنفق والممسك، برقم (57) (2 / 700) وأحمد في "المسند" (5 / 197).
(5) الطبراني، في "الكبير" مختصراً، برقـم (8014) (8 / 312)، وقال في "الترغيب" للمنذري: إسنـاده حسن (2 / 20) برقم (5) (2 / 31، 32)، وقال المنذري: رواه الطبراني في "الأوسط"، وسكت عليه. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد": رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه عبيد اللّه بن الوليد الوَصَّافي، وهو ضعيف (3 / 115).

Tuesday, June 14, 2016

إعطاء زكاة الفطر للذمى

إعطاء زكاة الفطر للذمى
أجاز الزهري، وأبو حنيفة، ومحمد، وابن شبرمة إعطاء الذمي من زكاة الفطر(1)؛ لقول اللّه تعالى: " لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " [الممتحنة: 8].




(1) انظر التحقيق، في: تمام المنة (388).




مصرِف زكاة الفطر

مصرِف زكاة الفطر
مصرفُ زكاة الفطر مصرف الزكاة، أي؛ أنها توزع على الأصناف الثمانية المذكورة، في آية: " إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ " [ التوبة: 60].
والفقراء هم أَولى الأصناف بها؛ لما تقدم في الحديث: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر؛ طهرة للصائم من اللغو، والرفث، وطعمة للمساكين.
ولما رواه البيهقي، والدارقطني، عن ابن عمر _ رضي الله عنهما _ قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر، وقال: "أغنوهم في هذا اليوم"(1). وفي رواية للبيهقي: "أغنوهم عن طواف هذا اليوم"(2).
وتقدم الكلام على المكان الذي تؤدى فيه، عند الكلام على نقل الزكاة.





(1) الدارقطني: كتاب زكاة الفطر، برقم (67) (2 / 152، 153).
(2) البيهقي: كتاب الزكاة - باب وقت إخراج زكاة الفطر (4 / 175)..



تعجيل زكاة الفطر عن وقتِ الوجُوبِ

تعجيل زكاة الفطر عن وقتِ الوجُوبِ
جمهور الفقهاء على أنه يجوز تعجيل صدقة الفطر، قبل العيد بيوم أو بيومين.
قال ابن عمر _ رضي الله عنهما _: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر، أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة(1).
قال نافع: وكان ابن عمر يؤديها، قبل ذلك باليوم أو اليومين. واختلفوا فيما زاد على ذلك؛ فعند أبي حنيفة، يجوز تقديمها على شهر رمضان. وقال الشافعي: يجوز التقديم من أول الشهر. وقال مالك، ومشهور مذهب أحمد: يجوز تقديمها يوماً، أو يومين.
واتفقت الأئمة على أن زكاة الفطر لا تسقط بالتأخير بعد الوجوب، بل تصير ديناً في ذمة من لزمته، حتى تؤدى، ولو في آخر العمر.
واتفقوا على أنه لا يجوز تأخيرها عن يوم العيد(2)، إلا ما نقل عن ابن سيرين، والنخعي، أنهما قالا: يجوز تأخيرها عن يوم العيد. وقال أحمد: أرجو ألا يكون به بأس.
وقال ابن رسلان: إنه حرام، بالاتفاق؛ لأنها زكاة، فوجب أن يكون في تأخيرها إثم، كما في إخراج الصلاة عن وقتها.
وقد تقدم في الحديث: "من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات(3)".





(1) البخاري: كتاب الزكاة - باب فرض صدقة الفطر (2 / 161)، وباب الصدقة قبل العيد (2 / 162)، ومسلم: كتاب الزكاة - باب الأمر بإخراج زكاة الفطر قبل الصلاة، برقم (22، 23) (2 / 679)، والنسائي: كتاب الزكاة - باب الوقت الذي يستحب أن تؤدى صدقة الفطر فيه، برقم (2521) (4 / 54)، والترمذي: كتاب الزكاة - باب تقديمها قبل الصلاة، برقم (677) (3 / 53)، وأبو داود: كتاب الزكاة - باب متى تؤدى، برقم (1610) (2 / 263).
(2) وجزموا، بأنها تجزئ إلى آخر يوم الفطر.
(3) أي؛ التي يتصدق بها في سائر الأوقات.


متى تجبُ ؟

متى تجبُ ؟

اتفق الفقهاء على أنها تحب فى آخر رمضان، واختلفوا فى تحديد الوقت الذي تجب فيه؛ فقال الثوري، وأحمد، وإسحاق، والشافعي، في الجديد، وإحدى الروايتين عن مالك: إن وقت وجوبها غروب الشمس، ليلة الفطر لأنه وقت الفطر من رمضان.
وقال أبو حنيفة، والليث، والشافعي، في القديم، والرواية الثانية عن مالك: إن وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم العيد. وفائدة هذا الاختلاف، في المولود يولد قبل الفجر من يوم العيد، وبعد مغيب الشمس، هل تجب عليه، أم لا تجب ؟ فعلى القول الأول، لا تجب؛ لأنه وُلد بعد وقت الوجوب. وعلى الثاني، تجب؛ لأنه ولد قبل وقت الوجوب.



قَدْرُهَا

قَدْرُهَا
الواجب في صدقة الفطر صاع (1)؛ من القمح، أو الشعير، أو التمر، أو الزبيب، أو الأقط (2)، أو الأرز، أو الذرة، أو نحو ذلك مما يعتبر قوتاً. وجوز أبو حنيفة إخراج القيمة، وقال: إذا أخرج المزكى من القمح، فإنه يجزئ نصف صاع. قال أبو سعيد الخدري: كنا إذا كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، نخرج زكاة الفطر عن كل صغير وكبير، حر ومملوك، صاعاً من طعام، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من زبيب، فلم نزل نخرجه، حتى قدم معاوية حاجا أو معتمراً، فكلم الناس على المنبر، فكان فيما كلم به، أن قال؛ إنى أرى أن مدين (3) من سمراء(4) الشام تعدل صاعاً من تمر. فأخذ الناس بذلك، قال أبو سعيد: فأما أنا، فلا أزال أخرجه أبداً ما عشت (5). رواه الجماعة. قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، يرون من كل شيء صاعاً، وهو قول الشافعي،وإسحاق. وقال بعض أهل العلم: من كل شيء صاع إلا البر؛ فإنه يجزئ نصف صاع، وهو قول سفيان، وابن المبارك، وأهل الكوفة.




(1)الصاع؛ أربعة أمداد، والمد؛ حفنة بكفي الرجل المعتدل الكفين، ويساوى قدحاً وثلث قدح، أو قدحين.
(2) الأقط: لبن مجفف، لم تنزع زبدته.
(3) المدان: نصف صاع.
(4)سمراء: أي؛ قمح.
(5) البخاري، مطولاَ ومختصرا: كتاب الزكاة - باب صاع من زبيب ( 2 /161، 62 ا)، ومسلم: كتاب الزكاة - باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير، برقم (8 1، 9 1 ) ( 2 / 678، 9 7 6)، وأبو داود؛ كتاب الزكاة - باب كم يؤدى في صدقة الفطر، برقم (6 1 6 1، ( 2 / 67 2) والترمذي: كتاب الزكاة - باب ما جاء في صدقة الفطر، برقم (673) (3 / 50)، وابن ماجه: كتاب الزكاة - باب صدقة الفطر، برقم (9 82 1 ) ( 1 / 585)، والنسائي: كاب الزكاة - باب ما جاء في صدقة الفطر، برقم (3 1 5 2) (5 / 51)، - والدارمي: كتاب الزكاة - باب في زكاة الفطر ( 1 / 392).


على مَنْ تجبُ ؟

على مَنْ تجبُ ؟
تجب على الحر المسلم، المالك لمقدار صاع يزيد عن قوته وقوت عياله، يوماً(1) وليلة، وتجب عليه عن نفسه، وعمن تلزمه نفقته؛ كزوجته، وأبنائه، وخدمه الذين يتولى أمورهم، ويقوم بالإنفاق عليهم.




(1) هذا مذهب مالك، والشافعي، وأحمد، قال الشوكاني: وهذا هو الحق، وعند الأحناف، لابد من ملك النصاب..


حكمتُهَا

حكمتُهَا
شرعت زكاة الفطر في شعبان، من السنة الثانية من الهجرة؛ لتكون طهرة للصائم، مما عسى أن يكون وقع فيه؛ من اللغو، والرفث، ولتكون عوناً للفقراء والمعوزين.
روى أبو داود، وابن ماجه، والدارقطني، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: فرض رسول اللّه صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر؛ طهرة (1) للصائم؛ من اللغو(2)، والرفث (3)، وطعمة (4) للمساكين: " من أَداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات "(5).





(1) " طهر ة " تطهيرً ا.
(2) "اللغو" هو ما لا فائدة فيه؛ من القول، أو الفعل.
(3) " الرفث " فاحش الكلام.
(4) "طعمة" طعام.
(5) أبو داود: كتاب الزكاة - باب زكاة الفطر، برقم(9 0 6 1 ) (2 / 62 2)، وابن ماجه: كتاب الزكاة - باب صدقة الفطر، برقم (7 2 8 1 ) ( 1 / 5 58)، والدارقطني: كتاب زكاة الفطر، حديث رقم ( 1 ) ( 2 / 38 1 )..

زكاة الفطر

زكاة الفطر
زكاة الفطر: أي؛ الزكاة التي تجب بالفطر من رمضان.
وهي واجبة على كل فرد من المسلمين؛ صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، حر أو عبد.
روى البخاري، ومسلم، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان؛ صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير على العبد؛ والحرِّ، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من ا لمسلمين ( 1 ).




(1) البخاري: كتاب الزكاة - باب قرض صدقة الفطر (2 / 61 1 )، وباب صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين (2 / 161 )، ومسلم: كتاب الزكاة - باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير، برقم (12 - 4 1، 16) (2 / 677، 678)، وأبو داود: كتاب الزكاة - باب كم يؤدى قي صدقة الفطر، برقم ( 1611 - 1613 ) (2 / 263 - 266)، وابن ماجه: كتـاب الزكاة - بـاب صدقة الفطر، برقم (1826 ) ( 1 / 584)، والنسائي:كتاب الزكاة - باب فرض زكـاة الفطر على المسلين دون المعاهديـن برقـم (3 0 5 2، 4 0 5 2 ) (5 / 48 )، والدارمي: كتاب الزكاة - باب قي زكاة الفطر ( 1 / 2 39)، والموطأ: كتاب الزكاة - باب مكيلة زكاة الفطر، برقم (2 5) ( 1 / 4 8 2)، وأحمد في " المسند" (2 / 2 0 1، 37 1 ).

إظهـار الصدقـة

إظهـار الصدقـة
يجـوز للمتصدق أن يظهر صدقته؛ سواء أكانت الصدقة صدقة فرض، أم نافلة، دون أن يرائِيَ بصدقته، وإخفاؤها أفضل؛

قال الله تعالي: " إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ *(سورة البقرة:271).
وعند أحمد، والشيخين، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِْمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ " (1).





( 1) البخاري: كتاب الزكاة - باب الصدقة باليمين (2 / 38 1 )، و كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة - باب فضل من ترك الفواحش (8 / 3 0 2)، ومسلم: كتاب الزكاة - باب فضل إخفاء الصدقة، برقم ( 1 9) (2 / 5 71)، والترمذي: كتاب الزهد - باب ما جاء في الحب في الله، برقم ( 1 236) (4 / 518)، والنسائى: كتاب آداب القضاة - باب الإمام العادل، برقم ( 5380) (8 / 222، 223 )، الموطأ: كتاب الشعر - باب ما جاء في المتحابين في اللّه، برقم (4 1) (2 / 952)، وأحمد في "المسند" ( 2 /9 43 ).

المواضيع الاكثر زيارة

Total Pageviews