بحث في فقه السنة والويب

Sunday, June 12, 2016

توزيعُ الزكاةِ على المستحقين كلهم ، أو بَعْضِهم

توزيعُ الزكاةِ على المستحقين كلهم ، أو بَعْضِهم
الأصناف الثمانية، والمستحقون للزكـاة المذكورون في الآية هم؛ الفقراء، والمساكين، والعاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، والأرقاء، والغارمون، وأبناء السبيل، و المجاهدون.
وقد اختلف الفقهاء في توزيع الصدقة عليهم؛ فقال الشافعي، وأصحابه: إن كان مفرق الزكاة هو المالك أو وكيله، سقط نصيب العامل، ووجب صرفها إلى الأصناف السبعة الباقين، إن وجدوا، وإلا فللموجود منهم، ولا يجوز ترك صنف منهم مع وجوده ، فإن تركه، ضمن نصيبه.
وقال إبراهيم النخعى: إن كان المال كثيراً يحتمل الأجزاء، قسمه على الأصناف، وإن كان قليلاً، جاز أن يوضع في صنف واحد. وقال أحمد بن حنبل: تفريقها أولى، ويجزئه أن يضعه في صنف واحد. وقال مالك: يجتهد بتحري موضع الحاجة منهم، ويُقدِّم الأولى فالأولى، من أهل الخلة(1) والفاقة، فإن رأى الخلة في الفقراء في عام أكثر، قدمهم، وإن رآها في أبناء السبيل في عام آخر، حولها إليهم. وقالت الأحناف، وسفيان الثوري: هو مخير، يضعها في أي الأصناف شاء.
وهذا مروي عن حذيفة، وابن عباس، وقول الحسن البصري، وعطاء بن أبى رباح.
وقال أبو حنيفة: وله صرفها إلى شخص واحد، من أحد الأصناف.
سبب اختلافِهم، ومنشؤُه: قال ابن رشد: وسبب اختلافهم معارضة اللفظ للمعنى، فإن اللفظ يقتضي القسمة بين جميعهم، والمعنى يقتضي أن يؤثر بها أهل الحاجة؛ إذ كان المقصود بها سد الخلة، فكان تعديدهم في الآية عند هؤلاء، إنما ورد ة لتمييز الجنس - أعني، أهل الصدقات - لا تشريكهم في الصدقة، فالأول أظهر من جهة اللفظ، وهذا أظهر من جهة المعنى.
ومن الحجة للشافعي، ما رواه أبو داود، عن الصدائي، أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم، أن يعطيه من الصدقة، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يرض بحكـم نبي ولا غيره في الصدقات، حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أَجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك "(2).


.ترجيحُ رأيِ الجمهورِ على رأيِ الشافعي: قال في "الروضة الندية": وأما صرف الزكـاة كلها في صنـف واحد، فهذا المقام خليق بتحقيق الكلام، والحاصل، أن الله - سبحانه وتعالى - جعل الصدقة مختصة بالأصناف الثمانية، غير سائغة لغيرهم، واختصاصها بهم لا يستلزم أن تكون موزعة بينهم على السوية، ولا أنَّ يقسط كل ما حصل من قليل أو كثير عليهم، بل المعنى، أن جنس الصدقات لجنس هذه الأصناف. فمن وجب عليه شيء من جنس الصدقة، ووضعه في جنس الأصناف، فقد فعَل ما أمره الله به، وسقط عنه ما أوجبه الله عليه، ولو قيل: إنه يجب على المالك -إذا حصل - له شيء، تجب فيه الزكاة - تقسيطه على جميع الأصناف الثمانية، على فرض وجودهم جميعاً، لكان ذلك - مع ما فيه من الحرج، والمشقة - مخالفاً لما فعله المسلمون؛ سلفهم وخلفهم، وقد يكون الحاصل شيئاً حقيراً، لو قسط على جميع الأصناف، لما انتفع كل صنف بما حصل له، ولو كان نوعاً واحداً، فضلاً عن أن يكون عدداً إذا تقرر لك هذا، لاح لك عدم صلاحية ما وقع منه صلى الله عليه وسلم، من الدفع إلى سلمة بن صخر(3) من الصدقات، للاستدلال بها.

ولم يرد ما يقتض إيجاب توزيع كل صدقة على جميع الأصناف، وكذلك لا يصلح، للاحتجاج حديث أمره صلى الله عليه وسلم لمعاذ، أن يأخذ الصدقة من أغنياء أهل اليمن، ويردها في فقرائهم (4)؛ لأن تلك - أيضاً - صدقة جماعة من المسلمين، وقد صرفت في جنس الأصناف، وكذلك حديث زياد بن الحارث الصدائي. وذكر الحديث المتقدم، ثم قال: لأن في إسناده عبد الرحمن بن زياد الأفريقي، وقد تكلم فيه غير واحد، وعلى فرض ، صلاحيته للاحتجاج، فالمراد بتجزئة الصدقة تجزئة مصارفها، كما هو ظاهر الآية التي قصدها صلى الله عليه وسلم، ولو كان المراد تجزئة الصدقة نفسها، وأن كل جزء لا يجوز صرفه في غير الصنف المقابل له، لما جاز صرف نصيب ما هو معدوم من الأصناف إلى غيره، وهو خلاف الإجماع من المسلمين.
وأيضاً، لو سلم ذلك، لكان باعتبار مجموع الصدقات التي تجتمع عند الإمام، لا باعتبار صدقة كل فرد، فلم يبق ما يدل على وجوب التقسيط، بل يجوز إعطاء بعض المستحقين بعض الصدقات، وإعطاء بعضهم بعضاً آخر.

نعم، إذا جمع الإمام جميع صدقات أهل قطر من الأقطار، وحضر عنده جميع الأصناف الثمانية، كان لكل صنف حق في مطالبته بما فرضه الله، وليس عليه تقسيط ذلك بينهم بالسوية، ولا تعميمهم بالعطاء، بل له أن يعطى بعض الأصناف أَكثر من البعض الآخر، وله أن يعطى بعضهم دون بعض، إذا رأى في ذلك صلاحاً عائداً على الإسلام وأهله.
مثلاً، إذا جمعت لديه الصدقات، وحضر الجهاد، وحقت المدافعة عن حوزة الإسلام من الكفار أو البغاة، فإن له إيثار صنف المجاهدين بالصرف إليهم، وإن استغرق جميع الحاصل من الصدقات، وهكذا إذا اقتضت المصلحة إيثار غير المجاهدين (5).

-----------------------
( 1)الخلة: بفتح الخاء، الحاجة.
( 2) سبق تخريجه.

( 3) كان عليه كفارة لم بجدها، فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم أَن يأخذها من صاحب صدقة بنى زريق، و يؤدي كفارته منها.
(4) سبق تخريجه.
( 5 ) هذا هو أرجح الآراء، وأَحقها..


No comments:

Post a Comment

المواضيع الاكثر زيارة

Total Pageviews