بحث في فقه السنة والويب

Sunday, June 12, 2016

والمؤلفَةُ قلوبُهُم

والمؤلفَةُ قلوبُهُم
وهم الجماعة الذين يراد تأليف قلوبهم، وجمعها على الإسلام، أو تثبيتها عليه؛ لضعف إسلامهم، أو كف شرهم عن المسلمين، أو جلب نفعهم في الدفاع عنهم.
وقد قسمهم الفقهاء إلى مسلمين، وكفار.
-آما المسلمون فهم أربعة: - 1- قوم من سادات المسلمين، وزعمائهم، لهم نظراء من الكفار، إذا أعطوا رجي إسلام نظرائهم، كما أعطى أبو بكـر - رضي الله عنه - عدى بن حاتم، والزِّبرقان ابن بدر، مع حسن إسلامهما؛ لمكانتهما في قومهما.
2- زعماء ضعفاء الإيمان من المسلمين، مطاعون في أقوامهم، يرجى بإعطائهـم تثبيتهم، وقوة إيمانهم، ومناصحتهم في الجهاد وغيره، كالذين أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم العطايا الوافرة من غنائم هوازن. وهم بعض الطلقاء من أهل مكة الذين أسلموا، فكان منهم المنافق، ومنهم ضعيف الإيمان، وقد ثبت أكثرهم بعد ذلك، وحسن إسلامه.
3- قوم من المسلمين في الثغور، وحدود بلاد الأعداء يعطون؛ لما يرجى من دفاعهم عما وراءهم من المسلمين، إذا هاجمهم العدو.
قال صاحب "المنار": وأقول: إن هذا العمل هو المرابطة، وهؤلاء الفقهاء يدخلونها في سهم سبيل الله، كالغزو المقصود منها، وأولى منهم بالتأليف في زماننا، قوم من المسلمين يتألفهم الكفار؛ ليدخلوهم تحـت حمايتهم، أو في دينهم.
فإننا نجد دول الاستعمار، الطامعة في استعبـاد جميع المسلمين، وفـي ردهم عن دينهم، يخصصون من أموال دولهم سهماً للمؤلفة قلوبهم من المسلمين، فمنهم من يؤلفونه؛ لأجل تنصيره، وإخراجه من حظيرة الإسلام، ومنهم من يؤلفونه؛ لأجل الدخول في حمايتهم، ومشاقة الدول الإسلامية، والوحدة الإسلامية، أفليس المسلمون أولى بهذا منهم ؟ 4- قوم من المسلمين يحتاج إليهم؛ لجباية الزكاة، وأخذها ممن لا يعطيها، إلا بنفوذهم وتأثيرهم، إلا أن يقاتَلوا، فيختار بتأليفهم، وقيامهـم بهذه المساعدة للحكومة أخف الضررين، وأرجح المصلحتين.

وأما الكفار، فهم قسمان:
 أ- من يرجى إيمانه بتأليفه، مثل صفوان بن أمية، الذي وهب له النبي صلى الله عليه وسلم الأمان يوم فتح مكة، وأمهله أربعة أشهر ؟ لينظر في أمره، ويختار لنفسه، وكان غائباً فحضر، وشهد مع المسلمين غزوة حنين قبل إسلامه، و.كان النبي صلى الله عليه وسلم استعار سلاحه منه، لما خرج إلى حنين، وقد أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم إبلاً كثيرة محملة كانت في واد، فقال،: هذا عطاء من لا يخشى الفقر. وقال: والله، لقد أعطاني النبي صلى الله عليه وسلم، وإنه لأبغض الناس إلىَّ، فما زال يعطيني، حتى إنه لأحب الناس إلىَّ.
2- من يخشى شره، فيُرجى بإعطائه كفُّ شره.
قال ابن عباس: إن قوماً كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أعطاهم، مَدحُوا الإسلام، وقالوا: هذا دين حسن. وإن منعهم، ذَموا وعابوا. وكان من هؤلاء أبو سفيان بن حرب ، والأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن، وقد أعلى النبى صلى الله عليه وسلم كل واحد من هؤلاء مائةً من الإبل.
وذهبت الأحناف إلى أن سهم المؤلفة قلوبهم قد سقط، بإعزاز اللّه لدينه، فقد جاء عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، وعباس بن مرداس، وطلبوا من أبى بكر نصيبهم، فكتب لهم به، وجاءوا إلى عمر، وأعطوه الخط، فأبى ومزقه، وقال: هذا شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيكموه ؟ تأليفاً لكـم على الإسلام، والآن قد أعز اللَه الإسلام، وأغنى عنكم، فإن ثبتم على الإسلام، وإلا فبيننا وبينكم السيف: " وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ * (سورة الكهف: 29). فرجعوا إلى أي بكر - رضى الله عنه - فقالوا: الخليفة أنت أم عمر ؟ بذلت لنا الخط، فمزقه عمر، فقال هو إن شاء.
قالوا: إن أبا بكر وافق عمر. ولم ينكر أحد من الصحابة، كما أنه لم ينقل عن عثمان، وعلى، أنهما أعطيا أحداً من هذا الصنف، ويجاب عن هذا، بأن هذا اجتهاد من عمر، وأنه رأى أنه ليس من المصلحة إعطاء هؤلاء، بعد أن ثبت الإسلام فى أقوامهم، وأنه لا ضرر يخشى من ارتدادهم عن الإسلام، وكون عثمان، وعلي لم يعطيا أحداً من هذا الصنف لا يـدل على ما ذهبوا إليه، من سقوط سهم المؤلفة قلوبهم، فقد يكـون ذلك لعدم وجود الحاجة إلى تأليف أحد من الكفار، وهذا لا ينافي ثبوته لمن احتاج إليه من الأئمة، على أن العمدة في الاستدلال هو الكتاب والسنة، فهما المرجع الذي لا يجوز العدول عنه بحال.


No comments:

Post a Comment

المواضيع الاكثر زيارة

Total Pageviews