بحث في فقه السنة والويب

Sunday, June 12, 2016

الفقراءُ ، والمساكين 1

الفقراءُ ، والمساكين (1)
وهم المحتاجون الذين لا يجدون كفايتهم، ويقابلهم الأغنياء المكفيُّون ما يحتاجون إليه وتقدم، أن القدر الذي يصير به الإنسان غنياً، هو قدر النصاب الزائد عن الحاجة الأصلية له ولأولاده؛ من أكـل وشرب، وملبس ومسكن، ودابة وآلة وحرفة، ونحو ذلك، مما لا غنى عنه، فكل من عدم هذا القدر، فهو فقير يستحق الزكاة.
ففي حديث معاذ: " تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم "(1). فالذي تؤخذ منه، هو الغني المالك للنصاب. والذي ترد إليه هو المقابل له، وهو الفقير الذي لا يملك القدر الذي يملكه الغنى. وليس هناك فرق بين الفقراء وبين المساكين، من حيث الحاجة والفاقة، ومن حيث استحقاقهم الزكاة، والجمع بين الفقراء والمساكين في الآية، مع العطف المقتضي، للتغاير، لا يناقض ما قلناه؛ فإن المساكين - وهم قسم من الفقراء - لهم وصف خاص بهم، وهذا كاف في المغايرة؛ فقد جاء فى الحديث، ما يدل على أن المساكين هم الفقراء الذين يتعففون عن السؤال، ولا يتفطن لهم الناس، فذكرتهم الآية؛ لأنه ربما لا يفطن إليهم لتجملهم؛ فعن أبى هريرة، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: " ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة واللقمتان، إنما المسكين الذي يتعففُ؛ اقرءوا إن شئتم: " لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً *(2) (سورة البقرة: 273). وفي لفظ: "ليس المسكين الذي يطوف على الناس، ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له، فيتصدق عليه عليه، ولا يقوم فيسأل الناس "(3). رواه البخاري، ومسلم.
مقدار ما يعطى الفقير من الزكاة: من مقاصد الزكاة؛ كفاية الفقير، وسد حاجته، فَيُعطَى من الصدقة القدر الذي يخرجه من الفقر إلى الغنى، ومن الحاجة إلى الكفاية، على الدوام، وذلك يختلف باختلاف الأحـوال والأشخـاص. قال عمر - رضي الله عنه: إذا أعطيتـم، فأغنوا.
يعني، في الصدقة. وقال القاضي عبد الوهاب: لم يحد مالك لذلك حداً، فإنه قال: يُعْطَى من له المسكن، والخادم، والدابة، التي لا غنى له عنها.
وقد جاء فى الحديث ما يدل على أن المسألة تحل للفقير، حتى يأخذ ما يقوم بعيشه، ويستغني به مدى الحياة؛ فعن قبيصة بن مُخارق الهلالي، قال: تحملت حمالة(4)، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال: " أقم، حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها ". ثم قال: "يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة؛ رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة، حتى يصيبها، ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة(5) اجتاحت ماله، فحلت له المسألة، حتى يصيب قواماً من عيش - أو قال: "سداداً(6) من عيش - ورجل أصابته فاقة(7)، حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا(8) من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة. فحلت له المسألة، حتى يصيب قواماً من عيش - أو قال:"سداداً من عيش" - فما سواهن من المسألة، يا قبيصة، فسحت، يأكلها صاحبها سُحتاً(9)"(10). رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود، والنسائى.



(1) سبق تخريجه.
(2) مسلم: كتاب الزكاة - باب المسكين الذي لا يجد غنى، ولا يفطن له فيتصدق عليه، برقم (102) (2 / 719)، والنسائي: كتاب الزكاة - باب تفسير المسكين، برقم ( 571 2) ( 5 / 84، 85)، وأبو داو د، بلفظ متقارب: كتاب الزكاة - باب من يعطى من الصدقة، وحد الغني، برقم ( 631 1 ) ( 2 / 283، 284 )، الدارمي: كتاب الزكاة - باب المسكين الذي يتصدق عليه ( 1 / 9 37)، وأحمد في "المسند" (2 / 260، 57 4، 69 4 ).
(3) البخاري: كتاب الزكاة - باب قول الله تعالى: " لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً * (2 / 154 )، ومسلـم: كتـاب الزكـاة - بـاب المسكين الذي لا يجد غنى، ولا يفطن له فيتصدق عليه، برقم (101) (2 / 719)، والنسائى: كتاب الزكاة - باب تفسير المسكين، برقم ( 572 2) ( 5 / 85)، وأحمد في " المسند" ( 1 / 4 38، 446، 2 / 260، 316، 393، 449، 461 )، وأبو داود بلفظ متقارب: كتاب الزكاة - بـاب من يعطى من الصدقة، وحد الغنى، برقم ( 1631 ) (2 / 283، 284)، وموطأ مالك: كتاب صفة النبى صلى الله عليه وسلم - باب ما جاء في المساكين،برقم (7)(2 / 923).
(4) حمالة: أي؛ ديناً؛ لإصلاح ذات البين.
(5) "الجائحة ": أي؛ ما أتلف المال، كالحريق.
(6) "سداداً": أي؛ ما تقوم به حاجته، ويستغني به، وهو بمعنى السداد.
(7) "فاقة": أي؛ الفقر، والحاجة.
(8) "الحجا": أي؛ العقل.
(9) "السحت ": أي؛ الحرام.
(10) مسلم: كتاب الزكاة - باب من تحل له المسألة،برقم (9 0 1 ) (2 / 2 72)، وأبو داود: كتاب الزكاة - باب ما تجوز فيه المسألة، برقم ( 0 64 1 ) (2 / 0 9 2)، والنسائي: كتاب الزكاة - باب الصدقة لمن تحمل بحمالة، برقم ( 0 58 2) (5 / 89، 0 9)، والدارمي: كتاب الزكاة - باب من تحل له الصدقة ( 1 / 6 39)، وأحمد في "المسند" (5 / 0 6) بلفظه، وبلفظ متقارب (3 / 77 4 )..

No comments:

Post a Comment

المواضيع الاكثر زيارة

Total Pageviews