بحث في فقه السنة والويب

Friday, June 10, 2016

تقديرُ النصابِ في النَّخيلِ ، والأعنابِ ، بالخرصِ دونَ الكيل

تقديرُ النصابِ في النَّخيلِ ، والأعنابِ ، بالخرصِ دونَ الكيل
إذا أزهى النخيل والأعناب، وبدا صلاحها، اعتُبر تقدير النصاب فيها بالخرص(1) دون الكيل، ذلك بأن يحصِيَ الخارص الأمين العارف، ما على النخيل والأعناب، من العنب والرطب، ثم يقدِّره تمراً وزبيباً؛ ليعرف مقدار الزكاة فيه، فإذا جفّت الثمار، أخذ الزكاة التي سبق تقديرها منها؛ فعن أبي حُمَيْد الساعدي _ رضي اللّه عنه _ قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، فلما جاء وادي القرى، إذا امرأة في حديقة لها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اخرصوا". وخَرَص رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق، فقال لها: "أحْصِي ما يخرج منها"(2). رواه البخاري.
هذه سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمل أصحابه من بعده، وإليه ذهب أكثر أهل العلم(3).
وخالف في ذلك الأحناف؛ لأن الخرص ظن وتخمين، لا يلزم به حكم.
وسنة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أهدى، فإن الخرص ليس من الظن في شيء، بل هو اجتهاد في معرفة قدر الثمر، كالاجتهاد في تقويم المتلفات.
وسبب الخرص، أن العادة جرت بأكل الثمار رطباً، فكان من الضروري إحصاء الزكاة، قبل أن تؤكل وتصرم(4)، ومن أجل أن يتصرف أربابها بما شاءوا، ويضمنوا قَدْر الزكاة.
وعلى الخارص، أن يترك في الخرص الثلثَ، أو الربعَ؛ توسعةً على أرباب الأموال؛ لأنهم يحتاجون إلى الأكل منه، هم وأضيافهم، وجيرانهم.
وتنتاب الثمرة النوائب؛ من أكل الطير، والمارَّة، وما تسقطـه الريح، فلو أحصِيَ الزكاة من الثمر كله، دون استثناء الثلث، أو الربع، لأضرَّ بهم؛ فعن سهل بن أبي حَثمةَ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خرَصتم، فخذوا، ودَعوا الثلث؛ فإن لم تدعوا الثلث، فدَعُوا الربـع(5)"(6). رواه أحمد، وأصحاب السنن، إلا ابن ماجه. ورواه الحاكم، وابن حبان، وصححاه. قال الترمذي: والعمل على حديث سهل، عند أكثر أهل العلم(7).
وعن بشير بن يسار، قال: بعث عمر بن الخطاب _ رضي اللّه عنه _ أبا حثمة الأنصاري على خرْص أموال المسلمين، فقال: إذا وجدْتَ القوم في نخلهم قد خرَفوا(8)، فدَعْ لهم ما يأكلون، لا تخرِّصه عليهم.
وعن مكحول، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث الخرَّاص، قال: "خفِّفوا على الناس؛ فإن في المال العرية، والواطئة، والآكلة". رواه أبو عبيد(9). وقال: الواطئة؛ "السابلة" سُمُّوا بذلك؛ لوطئهم بلاد الثمار مجتازين، والآكلة؛ أربـاب الثمار، وأهلوهم، ومن لصق بهم.



(1) الخرص: الحزر والتخمين.
(2) البخاري: كتاب الزكاة - باب خرص التمر (2 / 154، 155)، ومسلم: كتاب فضائل النبي صلى الله عليه وسلم - باب معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (11) (4 / 1785)، وأبو داود: كتاب الخراج والإمارة والفيء - باب في إحياء الموات، برقم (3079) (3 / 456)، وأحمد، في: المسند (5 / 424).
(3) يرى مالك، أنه واجب، وعند الشافعي، وأحمد سنة. (4) تصرم: تقطع.
(5) يتبع ذلك كثرة الأكلة وقلتهم فالثلث إذا كثروا، والربع إذا قلوا.
(6) الترمذي: كتاب الزكاة - باب ما جاء في الخرص، برقم (643) (3 / 26)، وأبو داود: كتاب الزكاة - باب في الخرص، برقم (1605) (2 / 258، 259)، والنسائي: كتاب الزكاة - باب كم يترك الخارص، برقم (2491) (5 / 42)، والدارمي: كتاب البيوع - باب في الخرص (2 / 271)، وأحمد، في: المسند (3 / 448، 4 / 322)، وهو ضعيف، انظر: الضعيفة (2556).
(7) الترمذي: كتاب الزكاة - باب ما جاء في الخرص، برقم (643) (3 / 26، 27).
(8) خرفوا: أي؛ أقاموا في نخلهم وقت الخريف، والأثر عند أبي عبيد في "الأموال" (486، 1449)، وابن أبي شيبة (3 / 194)، وهو منقطع بين بشيروعمر، أي؛ ضعيف.
(9) الأموال (1453)، وهو مرسل، والمرسل ضعيف.

No comments:

Post a Comment

المواضيع الاكثر زيارة

Total Pageviews