بحث في فقه السنة والويب

Friday, June 10, 2016

نصاب زكاة الزروع والثمار

نصاب زكاة الزروع والثمار
ذهب أكثر أهل العلم إلى، أن الزكاة لا تجب في شىء من الزروع، والثمار، حتى تبلغ خمسة أوسق، بعد تصفيتها من التِّبن، والقشر، فإن لم تُصفَّ، بأن تركت في قشرها(1)، فيشترط أن تبلغ عشرة أوسق.
1ـ فعن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة"(2). رواه أحمد، والبيهقي بسند جيد.
2ـ وعن أبي سعيد الخدري _ رضي اللّه عنه _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس فيما دون خمسة أوسق من تمر ولا حب، صدقة"(3).
والوسق؛ ستون صاعاً، بالإجماع، وقد جاء ذلك في حديث أبي سعيد، وهو حديث منقطع. وذهب أبو حنيفة، ومجاهد إلى وجوب الزكاة في القليل والكثير؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "فيما سقت السماء العُشر"(4). ولأنه لا يعتبر له حول، فلا يعتبر له نصاب.
قال ابن القيم - مناقشاً هذا الرأي -: وقد وردت السنة الصحيحة، الصريحة، المحكمة في تقدير نصاب المعشرات بخمسة أوسق، بالمتشابه من قوله: "فيما سَقَتِ السّمَاء العُشر، وما سقي بنضح أوَ غرْب، فنصف العُشر". قالوا. وهذا يعم القليل والكثير وقد عارضه الخاص، ودلالة العام قطعية كالخاص، وإذا تعارضا، قُدِّم الأحوط، وهو الوجوب.
فيقال: يجب العمل بكلا الحديثين، ولا يجوز معارضة أحدهما بالآخر، وإلغاء أحدهما بالكلية؛ فإن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فرض في هذا، وفي هذا، ولا تعارض بينهما بحمد اللّه _ تعالى _ بوجه من الوجوه، فإن قوله: "فيما سقت السماء العشر". إنما أريد به التمييز بين ما يجب فيه العشر، وما يجب فيه نصفه، فذكر النوعين، مفرقاً بينهما في مقدار الواجب. وأما مقدار النصاب، فسكت عنه في هذا الحديث، وبينه نصاً في الحديث الآخر، فكيف يجوز العدول عن النص الصحيح، الصريح، المحكم، الذي لا يحتمل غير ما أوِّل عليه ألبتة، إلى المجمل المتشابه، الذي غايته أن يتعلق فيه بعموم، لم يقصدوا بيانه بالخاص المحكم المبين، كبيان سائر العمومات بما يُخصصها من النصوص ؟ وقال ابن قدامة: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة". متفق عليه. هذا خاص يجب تقديمه، وتخصيص عموم ما رَوَوه به، كما خصصنا قوله: "في كل سائمة من الإبل الزكاة"(5). بقوله: "ليس فيما دون خمس ذَوْد صدقة". وقوله: "في الرقة ربع العشر"(6). بقوله: "ليس فيما دون خمس أواق صدقة"(7). ولأنه مال تجب فيه الصدقة، فلم تجب في يسيره، كسائر الأموال الزكوِيّة.
وإنما لم يعتبر الحول؛ لأنه يكمل نماؤه باستحصاده، لا ببقائه، واعتبر الحول في غيره؛ لأنه مَظِنّةٌ لكمال النماء في سائر الأموال، والنصاب اعتُبر؛ ليبلغ حدّاً يحتمل المواساة منه، فلهذا اعتبر فيه.
يحققه، أن الصدقة، إنما تجب على الأغنياء، ولا يحصل الغنى بدون النصاب، كسائر الأموال الزكويّة. هذا، والصاع؛ قدح وثلث، فيكون النصاب خمسين كيلة، فإن كان الخارج لا يكال، فقد قال ابن قدامة: ونصاب الزعفران والقطن، وما أُلحق بهما من الموزونات، ألف وستمائة رطل بالعراقي، فيقوم وزنه مقامه(8).
قال أبو يوسف: إن كان الخارج مما لا يكال، لا تجب فيه الزكاة إلا إن بلغ قيمة نصاب من أدنى ما يكال، فلا تجب الزكاة في القطن، إلا إذا بلغت قيمته خمسة أوسق، من أقل ما يكال، كالشعير ونحوه؛ لأنه لا يمكن اعتباره بنفسه، فاعتبر بغيره، كالعروض يُقَوَّم بأدنى النصابَيْن من الأثمان.
وقال محمد: يلزم أن يبلغ خمسة أمثال، من أعلى ما يُقَدَّر به نوعه، ففي القطن، لا تجب فيه الزكاة، إن بلغ خمسة قناطير؛ لأن التقدير بالوسق، فيما يوسق، كان باعتبار أنه أعلى ما يقدَّر به نوعه.


مقدارُ الواجبِ: يختلف القدر الذي يجب إخراجه، باختلاف السقي؛ فما سُقي بدون استعمال آلة - بأن سُقِيَ بالراحة - ففيه عشر الخارج، فإن سُقِيَ بآلة، أو بماء مشترى، ففيه نصف العشر.
1ـ فعن معاذ _ رضي اللّه عنه _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فيما سَقَتِ السماء، والبَعل(9)، والسيل العشر، وفيما سُقِيَ بالنّضْح نِصْفُ العشر"(10). رواه البيهقي، والحاكم، وصححه.
2ـ وعن ابن عمر _ رضي اللّه عنهما _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فيما سَقَتِ السماء والعيون، أو كان عثرياً العشر، وفيما سُقِيَ بالنّضْح نصف العشر"(11). رواه البخاري، وغيره.
فإن كان يُسْقَى تارة بآلة، وتارة بدونها، فإن كان ذلك على جهة الاستواء، ففيه ثلاثة أرباع العشر؛ قال ابن قدامة: لا نعلم فيه خلافاً، وإن كان أحدهما أكثر، كان حكم الأقل تابعاً للأكثر، عند أبي حنيفة، وأحمد، والثوري، وأحد قولي الشافعي.
وتكاليف الزرع؛ من حصاد، وحمل، ودياسة، وتصفية، وحفظ، وغير ذلك من خالص مال المالك، ولا يحسب منها شيء من مال الزكاة.
ومذهب ابن عباس، وابن عمر _ رضي اللّه عنهما _ أنه يحسب ما اقترضه من أجل زرعه، وثمره؛ عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، وابن عمر _ رضي اللّه عنهما - في الرجل يستقرض، فينفق على ثمرته، وعلى أهله ؟ قال: قال ابن عمر: يبدأ بما استقرض، فيقضيه، ويزكّي ما بقي.
قال(12): وقال ابن عباس _ رضي الله عنهما _: يقضي ما أنفق على الثمرة، ثُمَّ يُزكِّي ما بقي(13). رواه يحيى بن آدم في "الخراج".
وذكر ابن حزم، عن عطاء، أنه يسقط مما أصاب النفقة، فإن بقي مقدار ما فيه الزكاة، زكىَّ، وإلا فلا.




(1) كالأرز، إذا ترك في قشره.
(2) مسلم: كتاب الزكاة - باب رقم (1) حديث رقم (1)، (3 / 673، 674)، والبيهقي: كتاب الزكاة - باب النصاب في زكاة الثمار (4 / 120)، وباب نصاب الورق (4 / 133)، وأحمد في: المسند (2 / 402)، والترمذي: كتاب الزكاة - باب ما جاء في صدقة الزرع والتمر والحبوب، برقم (626) (3 / 13).
(3) مسلم: كتاب الزكاة - باب رقم (1) حديث رقم (4) (2 / 674).
(4) سبق تخريجه، في (ص 446).
(5) أبو داود: كتاب الزكاة _ باب زكاة السائمة، برقم (1567) (2 / 224)، والنسائي: كتاب الزكاة _ باب زكاة الغنم، برقم (2455) (5 / 29)، وأحمد في: المسند (1 / 121، 122).
(6) أبو داود: كتاب الزكاة _ باب في زكاة السائمة، برقم (1567) (2 / 98، 99)، والترمذي: كتاب الزكاة _ باب ما جاء في زكاة الإبل والغنم، رقم (620) (3 / 7)، والموطأ: كتاب الزكاة _ باب صدقة الماشية، برقم (23) (1 / 257، 258)، والرقة: الفضة، سواء كانت مضروبة، أو غير مضروبة، قيل: أصلها الوَرِق، فحذفت الواو، وعوض عنها بالهاء، نحو العدة والوعد.
(7) البخاري: كتاب وجوب الزكاة _ باب زكاة الوَرِق (2 / 143، 144) _ باب ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة (2 / 156)، ومسلم: كتاب الزكاة _ برقم (6) (2 /675)، وابن ماجه: كتاب الزكاة _ باب ما تجب فيه الزكاة، برقم (1) (1 / 224)، ومسند أحمد (2 / 92) وأوااق: جمع أوقّية، ويقال لها: الوَقّية، وهى أربعون درهماً، وخمسة أواقٍ مائتا درهم.
(8) الخمسة الأوسق تساوي ألفاً وستمائة رطل عراقي، والرطل العراقي 130 درهماً تقريباً.
(9) البعل والعثري: الذي يشرب بعرقه دون سقي، والنضح: السقي من ماء بئر، أو نهر بساقية.
(10) البخارى بلفظ: "فيما سقت السماء والعيون، أو كان عَثَريّاً العشر...". كتاب الزكاة: باب العشر فيما يُسْقَى من ماء السماء وبالماء الجاري... (2 / 155)، والحاكم: كتاب الزكاة - باب أخذ الصدقة من الحنطة، والشعير (1 / 401) وقال: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، والبيهقي: كتاب الزكاة - باب الصدقة فيما يزرعه الآدميون (4 / 129).
(11) البخاري: كتاب الزكاة - باب العشر فيما سقي من ماء السماء، وبالماء الجاري (2 / 155)، ومسلم بمعناه: كتاب الزكاة - باب ما فيه العشر أو نصف العشر، برقم (7) (2 / 675)، والترمذي: كتاب الزكاة - باب الصدقة فيما سقي بالأنهار، برقم (640) (3 / 23) وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي: كتاب الزكاة - باب ما يوجب العشر، برقم (2488) (5 / 41)، وابن ماجه: كتاب الزكاة - باب صدقــة الزروع، برقـم (1816) (1 / 580)، وأبـو داود: كتـاب الزكـاة - بـاب صدقـة الزرع، برقـم (1596) (2 / 252)، والدارمي: كتاب الزكاة - باب العشر فيما سقت السماء وفيما سقي بالنضح (1 / 393)، وموطأ مالك: كتاب الزكاة - باب زكاة ما يخرص من ثمار النخيل والأعناب، برقم (33) (1 / 270)، والبيهقي: كتاب الزكاة - باب قدر الصدقة فيما أخرجت الأرض (4 / 130)، وأحمد، في: المسند (1 / 145، 3 / 341، 353، 5 / 233).
(12) قوله: قال. أي؛ قال جابر.
(13) اتفق ابن عباس، وابن عمر على قضاء ما أنفق على الثمرة، وزكاة الباقي، واختلفا في قضاء ما أنفق على أهله

No comments:

Post a Comment

المواضيع الاكثر زيارة

Total Pageviews